التشريع والجعل.
وعلى هذا يكون قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي : سجل عليكم تأكيد الوصية (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) مالا معتدا به.
والخير : كناية عن المال. وقد اختلفت الروايات في تحديده ، ولكن الظاهر منها هو المقدار المعتد به ، الذي يمكن أن يبقى منه مقدار زائد على حصة الإرث ـ حسب حالة الورثة ـ كما ورد في الحديث عن علي عليهالسلام ، أنه «دخل على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم ، أو ستمائة درهم ، فقال : ألا أوصي؟ قال : لا ، إنما قال الله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) وليس لك كثير مال ، فدع مالك لورثتك» (١). والظاهر منه المقدار الذي يتناسب مع طبيعة واقع الحال للموصي والموصى له والورثة ، (الْوَصِيَّةُ) وهي التحليل لما بعد الموت (لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) الذي يحسن الإنسان فيه إلى أقربائه.
(حَقًّا) ثابتا (عَلَى الْمُتَّقِينَ) لأن التقوى تفجر في الإنسان طاقات الخير بما توحي به من الحصول على محبة الله ورضاه ، والابتعاد عن غضبه وسخطه ، مما يدفعه إلى القيام بالأعمال المحبوبة له ، واجبة كانت أو مستحبة ، لأن ذلك هو سبيل القرب إليه والنجاة من عذابه.
(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) إن تنفيذ الوصية وتحوّلها إلى واقع عملي هي مسئولية الوصي ، في ما سمعه وعرفه من الوصية تحت طائلة العقاب في حالة التبديل والتغيير. وقد أكد الله على ذلك وشدد الأمر فيه ، لأن غياب الموصي بالموت يجعل الوصي في أمن من جهته ، على أساس أن الإنسان لا يلتزم عادة بتنفيذ إرادة الآخرين ، إلا إذا كانوا في وضع خاص من القوة المادية أو المعنوية التي تستتبع الحساب أو العقاب أو العتاب.
__________________
(١) السيوطي ، جلال الدين ، الدرّ المنثور في التف ير بالمأثور ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ١٩٩٣ م ـ ١٤١٤ ه ، ج : ١ ، ص : ٤٢٢ ـ ٤٢٣.