الآية الأولى بضميمة الآية الثانية ، بأن الله قد أباح للإنسان كل الطيبات ، فلم يحرّم عليه شيئا منها مما اعتاد الناس أن يأكلوه ويستطيبوه ويتلذذوا به ، فكأنه يقول لهم إن بإمكانهم أن يمارسوا حريتهم في الأكل من هذه الطّيبات فلا يحرموا أنفسهم شيئا منها ، لأنها من رزق الله الذي أراد منه أن يبني للإنسان حياته ، ثم عدد المحرّمات وحصرها في هذه الأربع انطلاقا من الأضرار الجسدية والروحية المترتبة عليها ، كما ذكر المختصون بأن في الثلاثة الأولى : (الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) أضرارا صحية تفسد على الإنسان سلامة بدنه ، أما الرابعة منها ، والمقصود منه ما ذبح على غير اسم الله ، كالمذبوح على الأصنام ، أو لها ، فهو لا يتناسب مع المعنى الروحي الذي يريد الإسلام للإنسان أن يعيشه في مأكولاته التي يريدها أن تكون على اسم الله ولا تكون على غير اسمه ، لأن في ذلك تأثيرا على جانب الإحساس الروحي بالانتماء إلى الله في ما يأكل الإنسان أو يشرب ، ممّا يوجب أن يكون في الذبيحة معنى روحي ينطلق من حصول الذبح على اسم الله. وإذا كان التحريم والتحليل يتحركان في خط مصلحة الإنسان الروحية والمادية ومراعاة حاجاته الأساسية في ما يجلب له الراحة في حياته ، فمن الطبيعي أن يكون للتشريع في حالات التحريم حدّ يقف عنده ، وذلك في حالة الاضطرار التي لا يملك الإنسان معها سدّ رمقه بالمحلّل من المأكولات لعدم وجودها أو لتعذر حصوله عليها ، فكانت الإباحة في هذه الحالة منسجمة مع خط السماحة والسهولة في الشريعة الإسلامية ، ولكنها ليست لكل مضطر ، بل هي للمضطر الذي لا يكون باغيا ولا عاديا.
وقد اختلف المفسرون في ما هو المراد من هاتين الكلمتين : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) ، فاختار بعضهم أن تكون حدا للمدى الذي يحل فيه الأكل وهو أن لا يتجاوز حالة الضرورة فيكتفي بسدّ رمقه ، فلا يزيد على ذلك انطلاقا من القاعدة المعروفة «الضرورات تقدّر بقدرها».