والأهم من كل هذا هو العمل بالتكليف ، وهذه كلّها من أوجه النصر وان لقيت في الظاهر الاحباط والهزيمة.
كان سيّد الشهداء يستهدف انقاذ الدين من الضياع ، وفضح الظلم والباطل. وقد تحقق له هذا الهدف. اذن فهو قد انتصر حتّى وان كان الثمن استشهاده هو وأنصاره وسبي أهل بيته. وبعد عاشوراء ظلّت الأهداف الحسينية حيّة ووجدت أتباعا وأنصارا لها. وتركت الواقعة تأثيرها في الأجيال والقرون اللاحقة ، وصارت سببا لنشأة الكثير من الحركات والنهضات الاخرى. وهذا يعدّ بذاته نصرا ساحقا. وقد ورد هذا المعنى في جواب الإمام السجّاد عليهالسلام على السؤال الذي عرضه على حضرته ابراهيم بن طلحة حيث سأله : من الذي غلب؟ فقال له الإمام عليهالسلام : «اذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف من الغالب» (١). وهي اشارة إلى بقاء دين رسول الله في ظل النهضة الحسينية. وقال ابو عبد الله نفسه في هذا المعنى : «ارجو ان يكون خيرا ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا» (٢).
وبهذا المنظار فان الانسان الذي يتّبع الحقّ ويضحى في سبيل الله ودينه فهو منتصر على الدوام وينال احدى الحسنيين. وكل من يتنكب عن مناصرة الحقّ فهو ليس بمنتصر ولا غانم حتّى وان خرج سالما. وقد صرح سيّد الشهداء بهذا في كتابه إلى بني هاشم والّذي جاء فيه : «من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنّا لم يبلغ الفتح» (٣).
النصر العسكري يزول عادة بنصر عسكري آخر. لكن الانتصار المبدئي ولا سيما اذا اقترن بالتضحية العظمى والمظلومية ، يبقى حيا في الضمير الانساني ، ويجد على الدوام أنصارا ومؤيدين له على مر الأجيال. وهذا الفهم ، وهذه الرؤية بالنسبة
__________________
(١) أمالي الشيخ الطوسي : ٦٦ ، الإمام زين العابدين للمقرم : ٣٧٠.
(٢) اعيان الشيعة ١ : ٥٩٧.
(٣) كامل الزيارات : ٧٥.