(أَمْ تَسْأَلُهُمْ
خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ
لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ
وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
(٧٥)
____________________________________
على ما قبلها من
إيتاء ذكرهم لا لترتيب الإعراض على الإيتاء مطلقا فإن المستتبع لكون إعراضهم
إعراضا عن ذكرهم هو إيتاء ذكرهم لا الإيتاء مطلقا وفى إسناد الإتيان بالذكر إلى
نور العظمة بعد إسناده إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم تنويه لشأن النبى صلىاللهعليهوسلم وتنبيه على كونه بمثابة عظيمة منه عزوجل وفى إيراد القرآن الكريم عند نسبته إليه صلىاللهعليهوسلم بعنوان الحقية وعند نسبته إليه تعالى بعنوان الذكر من
النكتة السرية والحكمة العبقرية ما لا يخفى فإن التصريح بحقيته المستلزمة لحقية من
جاء به هو الذى يقتضيه مقام حكاية ما قاله المبطلون فى شأنه وأما التشريف فإنما
يليق به تعالى لا سيما رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحد المشرفين وقيل المراد بالذكر ما تمنوه بقولهم لو أن
عندنا ذكرا من الأولين وقيل وعظهم وأيد ذلك بأنه قرىء بذكراهم والتشنيع على
الأولين أشد فإن الإعراض عن وعظهم ليس فى مثابة إعراضهم عن شرفهم أو عن ذكرهم الذى
يتمنونه فى الشناعة والقباحة (أَمْ تَسْأَلُهُمْ) انتقال من توبيخهم بما ذكر من قوله أم يقولون به جنة إلى
التوبيخ بوجه آخر كأنه قيل أم يزعمون أنك تسألهم على أداء الرسالة (خَرْجاً) أى جعلا فلأجل ذلك لا يؤمنون بك وقوله تعالى (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) أى رزقه فى الدنيا وثوابه فى الآخرة تعليل لنفى السؤال
المستفاد من الإنكار أى لا تسألهم ذلك فإن ما رزقك الله تعالى فى الدنيا والعقبى
خير لك من ذلك وفى التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم من تعليل الحكم وتشريفه صلىاللهعليهوسلم ما لا يخفى والخرج بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك
والخراج غالب فى الضريبة على الأرض وقيل الخرج ما تبرعت به والخراج ما لزمك وقيل
الخرج أخص من الخراج ففى النظم الكريم إشعار بالكثرة واللزوم وقرىء خرجا فخرج
وخراجا فخراج (وَهُوَ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ) تقرير لخيرية خراجه تعالى (وَإِنَّكَ
لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) تشهد العقول السليمة باستقامته ليس فيه شائبة اعوجاج توهم
اتهامهم لك بوجه من الوجوه ولقد ألزمهم الله عز وعلا وأزاح عللهم فى هذه الآيات
حيث حصر أقسام ما يؤدى إلى الإنكار والاتهام وبين انتفاء ما عدا كراهتهم للحق وقلة
فطنتهم (وَإِنَّ الَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وصفوا بذلك تشنيعا لهم بما هم عليه من الانهماك فى الدنيا
وزعمهم أن لا حياة إلا الحياة الدنيا وإشعارا بعلة الحكم فإن الإيمان بالآخرة وخوف
ما فيها من الدواهى من أقوى الدواعى إلى طلب الحق وسلوك سبيله (عَنِ الصِّراطِ) أى عن جنس الصراط (لَناكِبُونَ) لعادلون فضلا عن الصراط المستقيم أو عن الصراط المستقيم
الذى تدعوهم إليه والأول أدل على كمال ضلالهم وغاية غوايتهم لما أنه ينبىء عن كون
ما ذهبوا إليه مما لا يطلق عليه اسم الصراط ولو كان معوجا (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما
بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) أى قحط وجدب (لَلَجُّوا) لتمادوا (فِي