كلاهما مرادان بالتعبير الكريم إذ لا مانع من أحدهما (١) ، والإمام الزمخشري (٢) فهم المعنيين على التخيير ، وإن أعطى الأولوية للمعنى المستفاد من جعل (ترونها) صفة للعمد ، أي بغير عمد مرئية ، يعني أن عمدها لا ترى وهي إمساكها بقدرته. ولكن الفخر الرازي فرضي فقط بالرأي الثاني فقال : إنه رفع السماء بغير عمد ترونها أي لها عمد في الحقيقة إلا أن تلك العمد «هي قدرة الله تعالى وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز الحالي ، وأنهم ـ يقصد الناس ـ لا يرون ذلك التدبير ولا يعرفون كيفية ذلك الإمساك (٣).
وإذا رجعنا إلى رأي إمام المفسرين المعاصرين الشيخ محمد عبده في تفسير قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) (٤).
قال الشيخ محمد عبده : البناء ضم الأجزاء المتفرقة بعضها إلى بعض مع ربطها بما يمسكها حتى يتكون منها بنية واحدة ، وهكذا صنع الله بالكواكب ، وصنع كلا منها على نسبة من الآخر مع ما يمسك كلا في مداره ، حتى كان منها عالم واحد في النظر ، وسمي باسم واحد هو السماء التي تعلونا ، فقوله «صنع كلا منها على نسبة من الآخر» إشارة إلى تقدير نسب المسافات ثم الكتل ، وكنّى عن الحركة والجاذبية بقوله : «مع ما يمسك كلا في مداره» لكنه صرح بها في تفسير قوله تعالى : (وَالسَّماءِ
__________________
(١) الإسلام في عصر العلم ص ٣٦٧ بتصرف.
(٢) انظر الكشاف (٣ / ٢٣٠) ط. دار المعرفة. بتصرف.
(٣) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي (٢٥ / ١٤٤) بتصرف.
(٤) النازعات (٧٩ / ٢٧).