(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (٥١)
____________________________________
(وَأَعْتَزِلُكُمْ) أى أتباعد عنك وعن قومك (وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بالمهاجرة بدينى حيث لم تؤثر فيكم نصائحى (وَأَدْعُوا رَبِّي) أعبده وحده وقد جوز أن يراد به دعاؤه المذكور فى تفسير سورة الشعراء ولا يبعد أن يراد به استدعاء الولد أيضا بقوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) حسبما يساعده السباق والسياق (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) أى خائبا ضائع السعى وفيه تعريض بشقائهم فى عبادة آلهتهم وفى تصدير الكلام بعسى من إظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب والتنبيه على حقيقة الحق من أن الإجابة والإثابة بطريق التفضل منه عزوجل لا بطريق الوجوب وأن العبرة بالخاتمة وذلك من الغيوب المختصة بالعليم الخبير مالا يخفى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بالمهاجرة إلى الشام (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) بدل من فارقهم من أقربائه الكفرة لكن لا عقيب المهاجرة فإن المشهور أن الموهوب حينئذ إسمعيل عليهالسلام لقوله تعالى (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) إثر دعائه بقوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) ولعل ترتيب هبتهما على اعتزاله ههنا لبيان كمال عظم النعم التى أعطاها الله تعالى إياه بمقابلة من اعتزلهم من الأهل والأقرباء فإنهما شجرتا الأنبياء لهما أولاد وأحفاد أو لو شأن خطير وذو عدد كثير هذا وقد روى أنه عليهالسلام لما قصد الشأم أتى أولا حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد لإسحق يعقوب والأول هو الأقرب الأظهر (وَكُلًّا) أى كل واحد منهما أو منهم وهو مفعول أول لقوله تعالى (جَعَلْنا نَبِيًّا) قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسبة إلى من عداهم بل النسبة إلى بعضهم أى كل واحد منهم جعلنا نبيا لا بعضهم دون بعض (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) هى النبوة وذكرها بعد ذكر جعلهم نبيا للإيذان بأنها من باب الرحمة وقيل هى المال والأولاد وما بسط لهم من سعة الرزق وقيل هو الكتاب والأظهر أنها عامة لكل خير دينى ودنيوى أوتوه مما لم يؤته أحد من العالمين (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته بقوله (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) والمراد باللسان ما يوجد به من الكلام ولسان العرب لغتهم وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتبدل الدول وتحول الملل والنحل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى) قدم ذكره على ذكر ٥١ إسمعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب عليهماالسلام (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) موحدا أخلص عبادته عن الشرك والرياء أو أسلم وجهه لله تعالى وأخلص نفسه عما سواه وقرىء مخلصا على أن الله تعالى أخلصه (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) أرسله الله تعالى إلى الخلق فأنبأهم عنه ولذلك قدم رسولا مع كونه أخص وأعلى.