يستعملونها إلا في شؤونهم الاقتصادية ، ولم يخلف الشماليون نقوشا حجرية بلغتهم العدنانية الخالصة ، كما خلف الجنوبيون بلغتهم القحطانية ، إلا ما كان من الآثار التي وجدت في حوران ، مكتوبة بلغة نبطية تغاير أحكام اللسان العربي في كثير من ألفاظها وتراكيبها.
وبقي العرب لأول الإسلام لا يجيدون الكتابة ، ولا يسلمون من الغلط في الإملاء كما تدل المصاحف التي رسمها الصحابة بخطوطهم حتى نزلوا الكوفة والبصرة ، واحتاجت الدولة إلى الكتابة ، فعنوا بإتقانها ، وكتبوا بالخطين النسخي والكوفي ، ثم ترقت الخطوط بعد الفتوح الكثيرة ، وتشعبت فروعها في بغداد وإفريقية والأندلس إلى أن بلغت حالتها الحاضرة (١).
نعم ، إن الكتابة لم تكن بالصورة المطلوبة عند عرب شبه الجزيرة ، بل كانت عند عرب أطراف الجزيرة والذين يساكنون الحضارات المجاورة.
قال الدكتور محمد عجاج الخطيب : ... وأكثر الآثار التي تحمل كتابات العرب كانت في الأطراف الشمالية للجزيرة العربية حيث كان الاتصال وثيقا بالحضارة الفارسية والرومية ، ومما يذكر أن عدي بن زيد العبادي (٣٥ ق. ه) حين نما وأينع طرحه أبوه في الكتاب حتى حذق العربية ، ثم دخل ديوان كسرى وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى (٢).
هذا ، ونرى إلى جانب ذاك التفكك الديني والثقافي والقيادي عند العرب ، وحدة الدين والقيادة عند الأمم المجاورة ، والمتحضرة آنذاك ، ففي
__________________
(١) أدباء العرب ١ / ٣٤ ـ ٣٦.
(٢) الأغاني ٢ / ١٠٠.