(وَجاوَزْنا بِبَنِي
إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ
قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ
تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ
مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)
(١٣٩)
____________________________________
بَنِي
إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) أى بسبب صبرهم على الشدائد التى كابدوها من جهة فرعون
وقومه (وَدَمَّرْنا) * أى خربنا وأهلكنا (ما كانَ يَصْنَعُ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من العمارات والقصور أى ودمرنا الذى كان فرعون* يصنعه على
أن فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف وقيل اسم
كان ضمير عائد إلى ما الموصولة ويصنع مسند إلى فرعون والجملة خبر كان والعائد
محذوف أيضا والتقدير ودمرنا الذى كان هو يصنعه فرعون الخ وقيل كان زائدة وما
مصدرية والتقدير ما يصنع فرعون الخ وقيل كان زائدة كما ذكر وما موصولة اسمية
والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذى يصنعه فرعون الخ أى صنعه والعدول إلى صيغة
المضارع على هذين القولين لاستحضار الصورة (وَما كانُوا
يَعْرِشُونَ) من* الجنات أو ما كانوا يرفعونه من البنيان كصرح هامان
وقرىء يعرشون بضم الراء والكسر أفصح وهذا آخر قصة فرعون وقومه وقوله عزوجل
(وَجاوَزْنا بِبَنِي
إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) شروع فى قصة بنى إسرائيل وشرح ما أحدثوه من الأمور الشنيعة
بعد أن أنقذهم الله عزوجل من ملكة فرعون ومن عليهم من النعم العظام الموجبة للشكر
وأراهم من الآيات الكبار ما تخر له شم الجبال تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وإيقاظا للمؤمنين حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة
أحوالهم وجاوز بمعنى جاوز وقرىء جوزنا بالتشديد وهو أيضا بمعنى جاز فعدى بالباء أى
قطعنا بهم البحر. روى أنه عبر بهم موسى عليهالسلام يوم عاشوراء بعد ما أهلك الله تعالى فرعون فصاموه شكرا لله
عزوجل (فَأَتَوْا) أى مروا (عَلى قَوْمٍ) قيل كانوا* من لخم وقيل من العمالقة الكنعانيين الذين أمر
موسى عليهالسلام بقتالهم (يَعْكُفُونَ عَلى
أَصْنامٍ لَهُمْ) * أى يواظبون على عبادتها ويلازمونها وقرىء بكسر الكاف قال
ابن جريج كانت أصنامهم تماثيل بقروهو أول شأن العجل (قالُوا) عند ما شاهدوا أحوالهم (يا مُوسَى اجْعَلْ
لَنا إِلهاً) مثالا نعبده (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) * الكاف متعلقة بمحذوف وقع صفة لإلها وما موصولة ولهم
صلتها وآلهة بدل من ما والتقدير اجعل لنا إلها كائنا كالذى استقر هو لهم (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) تعجب عليهالسلام من قولهم هذا إثر ما شاهدوا* من الآية الكبرى والمعجزة
العظمى فوصفهم بالجهل المطلق إذ لا جهل أعظم مما ظهر منهم وأكده بقوله (إِنَّ هؤُلاءِ) يعنى القوم الذين يعبدون تلك التماثيل (مُتَبَّرٌ) أى مدمر مكسر (ما هُمْ فِيهِ) أى من الدين الباطل أى يتبر الله تعالى ويهدم دينهم الذى
هم عليه عن قريب ويحطم أصنامهم ويتركها رضاضا وإنما جىء بالجملة الاسمية للدلالة
على التحقق (وَباطِلٌ) أى مضمحل بالكلية (ما كانُوا
يَعْمَلُونَ) من عبادتها* وإن كان قصدهم بذلك التقرب إلى الله تعالى
فإنه كفر محض وليس هذا كما فى قوله تعالى (وَقَدِمْنا إِلى ما
عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) كما توهم فإن المراد به أعمال البر التى عملوها فى
الجاهلية فإنها فى أنفسها حسنات