قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير أبي السّعود [ ج ٣ ]

186/312
*

(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) (١٣١)

____________________________________

* إلى قوله تعالى (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) وقوله تعالى (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) صفة أخرى لرسل محققة لما هو المراد من إرسال الرسل من التبليغ والإنذار وقد حصل ذلك بالنسبة إلى الثقلين (وَيُنْذِرُونَكُمْ) بما* فى تضاعيفها من القوارع (لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) يوم الحشر الذى قد عاينوا فيه ما أعدلهم من أفانين العقوبات* الهائلة (قالُوا) استئناف مبنى على سؤال نشأ من الكلام السابق كأنه قيل فماذا قالوا عند ذلك التوبيخ* الشديد فقيل قالوا (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) أى بإتيان الرسل وإنذارهم وبمقابلتهم إياهم بالكفر والتكذيب وباستحقاقهم بسبب ذلك للعذاب المخلد حسبما فصل فى حكاية جوابهم عن سؤال خزنة النار حيث قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شىء إن أنتم إلا فى ضلال كبير وقد أجمل ههنا فى الحكاية* كما أجمل فى حكاية جوابهم حيث قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين وقوله تعالى (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) مع ما عطف عليه اعتراض لبيان ما أداهم فى الدنيا إلى ارتكابهم للقبائح التى ارتكبوها وألجأهم بعد ذلك فى الآخرة إلى الاعتراف بالكفر واستيجاب العذاب وذم لهم بذلك أى واغتروا فى الدنيا بالحياة الدنيئة واللذات الخسيسة الفانية وأعرضوا عن النعيم المقيم الذى بشرت به الرسل واجترءوا على ارتكاب ما يجرهم إلى العذاب المؤبد الذى أنذروهم إياه (وَشَهِدُوا) فى الآخرة (عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا) فى الدنيا (كافِرِينَ) أى بالآيات والنذر التى أتى بها الرسل على التفصيل المذكور آنفا واضطروا إلى الاستسلام لأشد العذاب كما ينبىء عنه ما حكى عنهم بقوله تعالى (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) وفيه من تحسيرهم وتحذير السامعين عن مثل صنيعهم ما لا مزيد عليه (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من شهادتهم على أنفسهم بالكفر واستيجاب العذاب والخطاب للرسول* صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطريق التلوين وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) بحذف اللام على أن* أن مصدرية أو مخففة من أن وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف وقوله تعالى (بِظُلْمٍ) متعلق إما ب (مُهْلِكَ) أى بسبب ظلم أو بمحذوف وقع حالا من القرى أى ملتبسة بظلم فإن ملابسة أهلها للظلم ملابسة للقرية له بواسطتهم وأما كونه حالا من (رَبُّكَ) أو من ضميره فى (مُهْلِكَ) كما قيل فيأباه أن غفلة أهلها مأخوذة فى معنى* الظلم وحقيقته لا محالة فلا يحسن تقييده بقوله تعالى (وَأَهْلُها غافِلُونَ) والمعنى ذلك ثابت لانتفاء كون ربك أو لأن الشأن لم يكن ربك مهلك القرى بسبب أى ظلم فعلوه من أفراد الظلم قبل أن ينهوا عنه وينبهوا على بطلانه برسول وكتاب وإن قضى به بديهة العقول وينذروا عاقبة جناياتهم أى لو لا انتفاء كونه تعالى معذبا لهم قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب لما أمكن التوبيخ بما ذكر ولما شهدوا على أنفسهم بالكفر واستيجاب العذاب ولا اعتذروا بعدم إتيان الرسل كما فى قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) وإنما علل ما ذكر بانتفاء التعذيب الدنيوى الذى هو إهلاك القرى قبل الإنذار مع أن التقريب فى تعليله بانتفاء مطلق التعذيب من غير بعث الرسل أتم على ما نطق به قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) لبيان كمال