(ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١١٧)
____________________________________
وفيه من المبالغة فى التنزيه من حيث الاشتقاق من السبح الذى هو الذهاب والإبعاد فى الأرض ومن جهة النقل إلى صيغة التفعيل ومن جهة العدول من المصدر إلى الاسم الموضوع له خاصة المشير إلى الحقيقة الحاضرة فى الذهن ومن جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل ما لا يخفى أى أنزهك تنزيها لائقا بك من أن أقول ذلك أو من أن يقال فى حقك ذلك وأما تقدير من أن يكون لك شريك فى الألوهية فلا يساعده سياق النظم الكريم وسياقه وقوله تعالى (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) استئناف مقرر للتنزيه* ومبين للمنزه منه وما عبارة عن القول المذكور أى ما يستقيم وما ينبغى لى أن أقول قولا لا يحق لى أن أقوله وإيثار ليس على الفعل المنفى لظهور دلالته على استمرار انتفاء الحقيقة وإفادة التأكيد بما فى حيزه من الباء فإن اسمه ضميره العائد إلى ما وخبره بحق والجار والمجرور فيما بينهما للتبيين كما فى سقيا لك ونحوه وقوله تعالى (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) استئناف مقرر لعدم صدور القول المذكور عنه عليهالسلام بالطريق* البرهانى فإن صدوره عنه مستلزم لعلمه تعالى به قطعا فحيث انتفى علمه تعالى به انتفى صدوره عنه حتما ضرورة أن عدم اللازم مستلزم لعدم الملزوم (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) استئناف جار مجرى التعليل لما قبله كأنه قيل لأنك* تعلم ما أخفيه فى نفسى فكيف بما أعلنه وقوله تعالى (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) بيان للواقع وإظهار لقصوره* أى ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك وقوله فى نفسك للمشاكلة وقيل المراد بالنفس هو الذات ونسبة المعلومات إليها لما أنها مرجع الصفات التى من جملتها العلم المتعلق بها فلم يكن كنسبتها إلى الحقيقة وقوله تعالى (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) تعليل لمضمون الجملتين منطوقا ومفهوما وقوله تعالى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) استئناف مسوق لبيان ما صدر عنه قد أدرج فيه عدم صدور القول المذكور عنه على أبلغ وجه وآكده حيث حكم بانتفاء صدور جميع الأقوال المغايرة للمأمور به فدخل فيه انتفاء صدور القول المذكور دخولا أوليا أى ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به وإنما قيل ما قلت لهم نزولا على قضية حسن الأدب ومراعاة لما ورد فى الاستفهام وقوله تعالى (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) تفسير للمأمور به وقيل عطف* بيان للضمير فى به وقيل بدل منه وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقا ليلزم بقاء الموصول بلا عائد وقيل خبر مضمر أو مفعوله مثل هو أو أعنى (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) رقيبا أراعى أحوالهم وأحملهم* على العمل بموجب أمرك وأمنعهم عن المخالفة أو مشاهدا لأحوالهم من كفر وإيمان (ما دُمْتُ فِيهِمْ) * ما مصدرية ظرفية تقدر بمصدر مضاف إليه زمان ودمت صلتها أى كنت شهيدا عليهم مدة دوامى فيما بينهم (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) بالرفع إلى السماء كما فى قوله تعالى (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) فإن التوفى أخذ الشىء وافيا* والموت نوع منه قال تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) * لا غيرك فأنت ضمير الفصل أو تأكيد وقرىء الرقيب بالرفع على أنه خبر أنت والجملة خبر لكان وعليهم