(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (٧٩)
____________________________________
من الساكن (لِتَحْسَبُوهُ) أى المحرف المدلول عليه بقوله تعالى (يَلْوُونَ) الخ وقرىء بالياء والضمير للمسلمين (مِنَ الْكِتابِ) أى من جملته وقوله تعالى (وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) حال من الضمير المنصوب أى والحال أنه ليس منه فى نفس الأمر وفى اعتقادهم أيضا (وَيَقُولُونَ) مع ما ذكر من اللى والتحريف على طريقة التصريح لا بالتورية والتعريض (هُوَ) أى المحرف (مِنْ عِنْدِ اللهِ) أى منزل من عند الله (وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) حال من ضمير المبتدأ فى الخبر أى والحال أنه ليس من عنده تعالى فى اعتقادهم أيضا وفيه من المبالغة فى تشنيعهم وتقبيح أمرهم وكمال جراءتهم ما لا يخفى وإظهار الاسم الجليل والكتاب فى محل الاضمار لتهويل ما أقدموا عليه من القول (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم كاذبون ومفترون على الله تعالى وهو تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه وعن ابن عباس رضى الله عنهما هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف وغيروا التوراة وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم أخذت قريظة ما كتبوا فخلطوه بالكتاب الذى عندهم (ما كانَ لِبَشَرٍ) بيان لافترائهم على الأنبياء عليهمالسلام حيث قال نصارى نجران إن عيسى عليهالسلام أمرنا أن نتخذه ربا حاشاه عليهالسلام وإبطال له إثر بيان افترائهم على الله سبحانه وإبطاله أى ما صح وما استقام لأحد وإنما قيل لبشر إشعارا بعلة الحكم فإن البشرية منافية للأمر الذى أسنده الكفرة إليهم (أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) الناطق بالحق الآمر بالتوحيد الناهى عن الإشراك (وَالْحُكْمَ) الفهم والعلم أو الحكمة وهى السنة والنبوة (ثُمَّ يَقُولَ) ذلك البشر بعد ما شرفه الله عزوجل بما ذكر من التشريفات وعرفه الحق وأطلعه على شئونه العالية (لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي) الجار متعلق بمحذوف هو صفة عبادا أى عبادا كائنين (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلق بلفظ عبادا لما فيه من معنى الفعل أو صفة ثانية له ويحتمل الحالية لتخصيص النكرة بالوصف أى متجاوزين الله تعالى سواء كان ذلك استقلالا أو اشتراكا فإن التجاوز متحقق فيهما حتما قيل إن أبا رافع القرظى والسيد النجرانى قالا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا فقال عليهالسلام معاذ الله أن يعبد غير الله تعالى وأن نأمر بعبادة غيره تعالى فما بذلك بعثنى ولا بذلك أمرنى فنزلت وقيل قال رجل من المسلمين يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال عليهالسلام لا ينبغى أن يسجد لأحد من دون الله تعالى ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله (وَلكِنْ كُونُوا) أى ولكن يقول كونوا (رَبَّانِيِّينَ) الربانى منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون كاللحيانى والرقبانى وهو الكامل فى العلم والعمل الشديد التمسك بطاعة الله عزوجل ودينه (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) أى بسبب مثابرتكم على تعليم الكتاب ودراسته أى قراءته فإن جعل خبر كان مضارعا لإفادة الاستمرار التجددى وتكرير بما كنتم للإيذان باستقلال كل من استمرار التعليم واستمرار