(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) (٤٤)
____________________________________
معتبر فى الكل مما لا يساعده النظم الكريم (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) فتعمدوا شيئا من وجه الأرض طاهرا قال الزجاج الصعيد وجه الأرض ترابا أو غيره وإن كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده عليه ومسح لكان ذلك طهوره وهو مذهب أبى حنيفة رحمهالله وعند الشافعى رحمهالله لا بد أن يعلق باليد شىء من التراب (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) أى إلى المرفقين لما روى أنه صلىاللهعليهوسلم تيمم ومسح يديه إلى مرفقيه ولأنه بدل من الوضوء فيتقدر بقدره (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) تعليل للترخيص والتيسير وتقرير لهما فإن من عادته المستمرة أن يعفو عن الخاطئين ويغفر للمذنبين لا بد أن يكون ميسرا لا معسرا وقيل هو كناية عنهما فإن الترفيه والمسامحة من روادف العفو وتوابع الغفران (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) كلام مستأنف مسوق لتعجيب المؤمنين من سوء حالهم والتحذير عن موالاتهم والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المؤمنين وتوجيهه إليه ههنا مع توجيهه فيما بعد إلى الكل معا للإيذان بكمال شهرة شناعة حالهم وأنها بلغت من الظهور إلى حيث يتعجب منها كل من يراها والرؤية بصرية أى ألم تنظر إليهم فإنهم أحقاء أن تشاهدهم وتتعجب من أحوالهم وتجويز كونها قلبية على أن إلى لتضمنها معنى الانتهاء لما فعلوه يأباه مقام تشهير شنائعهم ونظمها فى سلك الأمور المشاهدة والمراد بهم أحبار اليهود. روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنها نزلت فى حبرين من أحبار اليهود كانا يأتيان رأس المنافقين عبد الله بن أبى ورهطه يثبطانهم عن الإسلام وعنه رضى الله عنه أيضا أنها نزلت فى رفاعة بن زيد ومالك بن دخشم كانا إذا تكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لويا لسانهما وعاباه والمراد بالكتاب هو التوراة وحمله على جنس الكتاب المنتظم لها انتظاما أوليا تطويل للمسافة وبالذى أوتوه ما بين لهم فيها من الأحكام والعلوم التى من جملتها ما علموه من نعوت النبى صلىاللهعليهوسلم وحقية الإسلام والتعبير عنه بالنصيب المنبئ عن كونه حقا من حقوقهم التى يجب مراعاتها والمحافظة عليها للإيذان بكمال ركاكة آرائهم حيث ضيعوه تضييعا وتنوينه تفخيمى مؤيد للتشنيع عليهم والتعجيب من حالهم فالتعبير عنهم بالموصول للتنبيه بما فى حيز الصلة على كمال شناعتهم والإشعار بمكان ما طوى ذكره فى المعاملة المحكية عنهم من الهدى الذى هو أحد العوضين وكلمة من متعلقة إما بأوتوا أو بمحذوف وقع صفة لنصيبا مبينة لفخامته الإضافية إثر بيان فخامته الذاتية أى نصيبا كائنا من الكتاب وقوله تعالى (يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) قيل هو حال مقدرة من واو أوتوا ولا ريب فى أن اعتبار تقدير اشترائهم المذكور فى الإيتاء مما لا يليق بالمقام وقيل هو حال من الموصول أى ألم تنظر إليهم حال اشترائهم وأنت خبير بأنه خال عن إفادة أن مادة التشنيع والتعجيب هو الاشتراء المذكور وما عطف عليه والذى تقتضيه جزالة النظم الكريم أنه استئناف مبين لمناط التشنيع ومدار التعجيب المفهومين من صدر الكلام على وجه الإجمال والإبهام مبنى على سئوال نشأ منه كأنه قيل ما ذا يصنعون حتى ينظر إليهم فقيل يأخذون الضلالة ويتركون ما أوتوه من الهداية وإنما طوى المتروك لغاية ظهور الأمر لا سيما بعد الإشعار المذكور والتعبير عن ذلك بالاشتراء الذى هو عبارة عن