من المعانى وصرفه عن سننه المسلوك ينبئ عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم ويستجلب مزيد رغبة فيه من المخاطب إن قيل لا ريب فى أن حال الموصول عند كونه خبر المبتدأ محذوف كحاله عند كونه مبتدأ خبره أولئك على هدى فى أنه ينسبك به جملة اسمية مفيدة لاتصاف المتقين بالصفات الفاضلة ضرورة أن كلا من الضمير المحذوف والموصول عبارة عن المتقين وإن كلا من اتصافهم بالإيمان وفروعه وإحرازهم للهدى والفلاح من النعوت الجليلة فما السر فى أنه جعل ذلك فى الصورة الأولى من توابع المتقين وعد الوقف غير تام وفى الثانية مقتطعا عنه وعد الوقف تاما قلنا السر فى ذلك أن المبتدأ فى الصورتين وإن كان عبارة عن المتقين لكن الخبر فى الأولى لما كان تفصيلا لما تضمنه المبتدأ إجمالا حسبما تحققته معلوم الثبوت له بلا اشتباه غير مفيد للسامع سوى فائدة التفصيل والتوضيح نظم ذلك فى سلك الصفات مراعاة لجانب المعنى وإن سمى قطعا مراعاة لجانب اللفظ كيف لا وقد اشتهر فى الفن أن الخبر إذا كان معلوم الانتساب إلى المخبر عنه حقه أن يكون وصفا له كما أن الوصف إذا لم يكن معلوم الانتساب إلى الموصوف حقه أن يكون خبرا له حتى قالوا إن الصفات قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها صفات وأما الخبر فى الثانية فحيث لم يكن كذلك بل كان مشتملا على ما لا ينبئ عنه المبتدأ من المعانى اللائقة كما ستحيط به خبرا مفيدا للمخاطب فوائد رائقة جعل ذلك مقتطعا عما قبله محافظة على الصورة والمعنى جميعا والإيمان إفعال من الأمن المتعدى إلى واحد يقال آمنته وبالنقل تعدى إلى إثنين يقال آمننيه غيرى ثم استعمل فى التصديق لأن للصدق يؤمن المصدق أى يجعله أمينا من التكذيب والمخالفة واستعماله بالباء لتضمينه معنى الاعتراف وقد يطلق على الوثوق فإن الواثق يصير ذا أمن وطمأنينة ومنه ما حكى عن العرب ما آمنت أن أجد صحابة أى ما صرت ذا أمن وسكون وكلا الوجهين حسن ههنا وهو فى الشرع لا يتحقق بدون التصديق بما علم ضرورة أنه من دين نبينا عليه الصلاة والسلام كالتوحيد والنبوة والبعث والجزاء ونظائرها وهل هو كاف فى ذلك أو لابد من انضمام الإقرار إليه للمتمكن منه والأول رأى الشيخ الأشعرى ومن شايعه فإن الإقرار عنده منشأ لاجراء الأحكام والثانى مذهب أبى حنيفة ومن تابعه وهو الحق فإنه جعلهما جزأين له خلا أن الإقرار ركن محتمل للسقوط بعذر كما عند الإكراه وهو مجموع ثلاثة أمور اعتقاد الحق والإقرار به والعمل بموجبه عند جمهور المحدثين والمعتزلة والخوارج فمن أخل بالاعتقاد وحده فهو منافق ومن أخل بالإقرار فهو كافر ومن أخل بالعمل فهو فاسق اتفاقا وكافر عند الخوارج وخارج عن الإيمان غير داخل فى الكفر عند المعتزلة وقرىء يومنون بغير همزة والغيب إما مصدر وصف به الغائب مبالغة كالشهادة فى قوله تعالى (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أو فيعل خفف كقيل فى قيل وهين فى هين وميت فى ميت لكن لم يستعمل فيه الأصل كما استعمل فى نظائره وأياما كان فهو ما غاب عن الحس والعقل غيبة كاملة بحيث لا يدرك بواحد منهما ابتداء بطريق البداهة وهو قسمان قسم لا دليل عليه وهو الذى أريد بقوله سبحانه (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته والنبوات وما يتعلق بها من الأحكام والشرائع واليوم الآخر وأحواله من البعث والنشور والحساب والجزاء وهو المراد ههنا فالباء صلة للإيمان إما بتضمينه معنى الاعتراف أو