(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١٨١)
____________________________________
صدور الكتب عنه تعالى بل من حيث تعلقه بهم تعلقا فعليا مستتبعا لوجوب الأداء كما ينبئ عنه البناء للمفعول وكلمة الإيجاب ولا مساغ لجعل العامل هو الوصية لتقدمه عليها وقيل هو مبتدأ خبره (لِلْوالِدَيْنِ) والجملة جواب الشرط بإضمار الفاء كما فى قوله [من يفعل الحسنات الله يشكرها] ورد بأنه إن صح فمن ضرورة الشعر ومعنى كتب فرض وكان هذا الحكم فى بدء الإسلام ثم نسخ عند نزول آية المواريث بقوله عليهالسلام إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه ألا لا وصية لوارث فإنه وإن كان من أخبار الآحاد لكن حيث تلقته الأمة بالقبول انتظم فى سلك المتواتر فى صلاحيته للنسخ عند ائمتنا على أن التحقيق أن الناسخ حقيقة هى آية المواريث وإنما الحديث مبين لجهة نسخها ببيان أنه تعالى كان قد كتب عليكم أن تؤدوا إلى الوالدين والأقربين حقوقهم بحسب استحقاقهم من غير تبيين لمراتب استحقاقهم ولا تعيين لمقادير أنصبائهم بل فوض ذلك إلى آرائكم حيث قال (بِالْمَعْرُوفِ) أى بالعدل فالآن قد رفع ذلك الحكم عنكم لتبيين طبقات استحقاق كل واحد منهم وتعيين مقادير حقوقهم بالذات وأعطى كل ذى حق منهم حقه الذى يبستحقه بحكم القرابة من غير نقص ولا زيادة ولم يدع ثمة شيئا فيه مدخل لرأيكم أصلا حسبما يعرب عنه الجملة المنفية بلا النافية للجنس وتصديرها بكلمة التنبيه إذا تحققت هذا ظهر لك أن ما قيل من أن آية المواريث لا تعارضه بل تحققه وتؤكده من حيث أنها تدل على تقديم الوصية مطلقا والحديث من الآحاد وتلقى الأمة إياه بالقبول لا يلحقه بالمتواتر ولعله احترز عنه من فسر الوصية بما أوصى به الله عزوجل من توريث الوالدين والأقربين بقوله تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ) أو بإيصاء المحتضر لهم بتوفير ما أوصى به الله تعالى عليهم بمعزل من التحقيق وكذا ما قيل من أن الوصية للوارث كانت واجبة بهذه الآية من غير تعيين لأنصبائهم فلما نزلت آية المواريث بيانا للانصباء بلفظ الإيصاء فهم منها بتنبيه النبى صلىاللهعليهوسلم أن المراد منه هذه الوصية التى كانت واجبة كأنه قيل إن الله تعالى أوصى بنفسه تلك الوصية ولم يفوضها إليكم فقام الميراث مقام الوصية فكان هذا معنى النسخ لا أن فيها دلالة على رفع ذلك الحكم فإن مدلول آية الوصية حيث كان تفويضا للأمر إلى آراء المكلفين على الإطلاق وتسنى الخروج عن عهدة التكليف بأداء ما أدى إليه آراؤهم بالمعروف فتكون آية المواريث الناطقة بمراتب الاستحقاق وتفاصيل مقادير الحقوق القاطعة بامتناع الزيادة والنقص بقوله تعالى (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) ناسخة لها رافعة لحكمها مما لا يشتبه على أحد وقوله تعالى (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) مصدر مؤكد أى حق ذلك حقا (فَمَنْ بَدَّلَهُ) أى غيره من الأوصياء والشهود (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) أى بعد ما وصل إليه وتحقق لديه (فَإِنَّما إِثْمُهُ) أى إثم الإيصاء المغير أو إثم التبديل (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) لأنهم خانوا وخالفوا حكم الشرع ووضع الموصول فى موضع الضمير الراجع إلى من لتأكيد الإيذان بعلية ما فى حيز الصلة الأولى وإيثار الجمع للإشعار بتعداد المبدلين أنواعا أو كثرتهم أفرادا والإيذان بشمول الإثم لجميع الأفراد (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وعيد شديد للمبدلين