(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(٥٠)
____________________________________
بدرهم فتوجه به إلى السوق فكل من لقيه من المكاسين أخذوا منه بطيخا فدخل البلد وما معه إلا بطيخة فذة باعها بدرهم ومضى لوجهه ورأى أهل البلد متروكين سدى لا يتعاطى أحد سياستهم وكان قد وقع بهم وباء عظيم فتوجه نحو المقابر فرأى ميتا يدفن فتعرض لأوليائه فقال أنا أمين المقابر فلا أدعكم تدفنونه حتى تعطونى خمسة دراهم فدفعوها إليه ومضى لآخر وآخر حتى جمع فى مقدار ثلاثة أشهر ما لا عظيما ولم يتعرض له أحد قط إلى أن تعرض يوما لأولياء ميت فطلب منهم ما كان يطلب من غيرهم فأبوا ذلك فقالوا من نصبك هذا المنصب فذهبوا به إلى فرعون فقال من أنت ومن أقامك بهذا المقام قال لم يقمنى أحد وإنما فعلت ما فعلت ليحضرنى أحد إلى مجلسك فأنبهك على اختلال حال قومك وقد جمعت بهذا الطريق هذا المقدار من المال فأحضره ودفعه إلى فرعون فقال ولنى أمورك ترنى أمينا كافيا فولاه إياها فساربهم سيرة حسنة فانتظمت مصالح العسكر واستقامت أحوال الرعية ولبث فبهم دهرا طويلا وترامى أمره فى العدل والصلاح فلما مات فرعون أقاموه مقامه فكان من أمره ما كان وكان فرعون يوسف ريان وكان بينهما أكثر من أربعمائة سنة (يَسُومُونَكُمْ) أى يبغونكم من سامه خسفا إذا أولاه ظلما وأصله الذهاب فى طلب الشىء (سُوءَ الْعَذابِ) أى أفظعه وأقبحه بالنسبة إلى سائره والسوء مصدر من ساء يسوء ونصبه على المفعولية ليسومونكم والجملة حال من الضمير فى نجيناكم أو من آل فرعون أو منهما جميعا لاشتمالها على ضميريهما (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) بيان ليسومونكم ولذلك ترك العطف بينهما وقرىء يذبحون بالتخفيف وإنما فعلوا بهم ما فعلوا لما أن فرعون رأى فى المنام أو أخبره الكهنة أنه سيولد منهم من يذهب بملكه فلم يرد اجتهادهم من قضاء الله عزوجل شيئا قيل قتلوا بتلك الطريقة تسعمائة ألف مولود وتسعين ألفا وقد أعطى الله عزوجل نفس موسى عليهالسلام من القوة على التصرف ما كان يعطيه أولئك المقتولين لو كانوا أحياء ولذلك كانت معجزاته ظاهرة باهرة (وَفِي ذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من التذبيح والاستحياء أو إلى الإنجاء منه وجمع الضمير للمخاطبين فعلى الأول معنى قوله تعالى (بَلاءٌ) محنة وبلية وكون استحياء نسائهم أى استبقائهن على الحياة محنة مع أنه عفو وترك للعذاب لما أن ذلك كان للاستعمال فى الأعمال الشاقة وعلى الثانى نعمة وأصل البلاء الاختبار ولكن لما كان ذلك فى حقه سبحانه محالا وكان ما يجرى مجرى الاختيار لعباده تارة بالمحنة وأخرى بالمنحة أطلق عليهما وقيل يجوز أن يشار بذلكم إلى الجملة ويراد بالبلاء القدر المشترك الشامل لهما (مِنْ رَبِّكُمْ) من جهته تعالى بتسليطهم عليكم أو ببعث موسى عليهالسلام وبتوفيقه لتخليصكم منهم أو بهما معا (عَظِيمٌ) صفة لبلاء وتنكيرهما للتفخيم وفى الآية الكريمة تنبيه على أن ما يصيب العبد من السراء والضراء من قبيل الاختبار فعليه الشكر فى المسار والصبر على المضار (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) بيان لسبب التنجية وتصوير لكيفيتها إثر تذكيرها وبيان عظمها وهو لها وقد بين فى تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هى الإنجاء من الغرق أى واذكروا إذ فلقناه بسلوككم أو متلبسا بكم كقوله تعالى (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أو بسبب إنجائكم وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك وقرىء