أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ، ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم. ويلكم ألا تنصتون؟! ألا تسمعون؟!. فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم ، فقالوا : أنصتوا له. فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :
تبّا (١) لكم أيتها الجماعة وترحا (٢) أحين استصرختمونا والهين (٣) (وفي رواية : ولهين متحيّرين) فأصرخناكم موجفين (٤) (مؤدّين (٥) مستعدّين) سللتم علينا سيفا لنا (في رقابنا) في أيمانكم ، وحششتم (٦) علينا نارا قدحناها (أجّجناها) على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم إلبا (٧) على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش طمعتم فيه. من غير حدث كان منا ، ولا رأي تفيّل لنا (٨). فهلا لكم الويلات ، إذ كرهتمونا وتركتمونا ، تجهّزتموها (٩) والسيف مشيم (١٠) (لم يشهر) والجأش طامن (١١) والرأي لمّا يستحصف (١٢) (يستحصد). ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدّبا (١٣) وتداعيتم إليها كتداعي (كتهافت) الفراش ، فسحقا (فقبحا) لكم يا عبيد
__________________
(١) التبّ : الهلاك.
(٢) التّرح : الهم.
(٣) الوله : الحزن.
(٤) موجفين : مسرعين في العدو.
(٥) مؤدّين : متهيئين مناصرين.
(٦) حششتم : أوقدتم.
(٧) إلبا : أي مجتمعين.
(٨) تفيّل رأيه : أخطأ وضعف.
(٩) الضمير للحرب أو الفتنة ، والتجهّز : التهيّؤ.
(١٠) مشيم : مغمد.
(١١) طامن : مطمئن.
(١٢) استحصف : استحكم.
(١٣) الدّبا : أول ما يكون الجراد قبل أن يطير ، ثم يكون غوغاء إذا هاج بعضه في بعض ، ثم يكون كتفانا ثم يصير خيفانا ثم يكون جرادا. ويضرب المثل بالدبا لكثرته.