ولقد نصحه الحسين عليهالسلام نصائح كثيرة ، لم تلق منه غير اختلاق الذرائع والأعذار ، التي تتركز كلها حول حرصه على المصالح الدنيوية والمكاسب المادية.
وظل عليهالسلام جاهدا في نصيحة عمر بن سعد ـ باعتباره القائد العام لجيش البغي والعدوان ـ وهو يتنصّل بشتى المعاذير ، والحسين عليهالسلام يردّها عليه واحدة واحدة ، حتّى لم يبق في جعبة ابن سعد عذرا يعتذر به.
وماذا كان يحجب تلك الحجج والبراهين ، والدعوات والنصائح ، عن أن تجد طريقها إلى ضمير ابن سعد ، فيتحول عن طريق الذنوب والآثام والكبائر الجسام ، لو لا أن حبّ الدنيا قد أعمى قلبه ، والتكالب عليها قد أظلم صدره. فصدق فيه قول الإمام علي عليهالسلام : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة».
ولقد وعده ابن زياد أن يعهد له بولاية الريّ ، فباع الفاسق دينه بالبغي والغيّ ، لكنه لم يسعد بولاية ولا عيش هنيّ ، بل ذبح على فراشه بتقدير خفيّ.
٧٦٢ ـ تعليق على انحراف عمر بن سعد :
(كشف الغمة في معرفة الأئمة لعلي بن عيسى الإربلي ، ج ٢ ص ٢٦٠)
قال المحقق أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي :
التوفيق عزيز المنال ، ومن حقّت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللّوّام ولا عذل العذّال. ومن غلبته نفسه ، تورّط من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال. وكما أن الجنة لها رجال فالنار لها رجال ، وكما أعدّ الله لقوم الفوز والرضوان ، أعدّ للآخرين العقاب والنكال.
وهذا النجس ابن سعد أبعده الله ، عرف سوء فعله ، فأضلّه الله على علم ، وهو أقبح أنواع الضلال. وطبع الله على قلبه وختم على لبّه ، وجعل على بصره غشاوة فبئست الأحوال. وزهد في الآجلة وهي إلى بقاء ، ورغب في العاجلة وهي إلى زوال. وطمع في المال فخسر المآل. فأصلي نارا وقودها الناس والحجارة ، ولم يغن عنه رأيه في الريّ ولا نفعته الإمارة ، فخرج في طالع نحس ، وباع آخرته بثمن بخس ، وأصبح من سوء اختياره في أضيق حبس. فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجّار ، واتّخذ ابن زياد ربّا فأورده النار وبئس القرار. وباء في الدنيا بالعار ، وحشر في الآخرة مع مردة الكفّار.
وهكذا حال هذا الشقي الّذي سعى إلى سوء خاتمته وعاقبته ، فكان العذاب