أمه قائمة تنتظر فسلم عليها ابن عقيل فردت السلام ، فقال لها : اسقينى ماء فدخلت فأخرجت إليه فشرب ثمّ ادخلت الاناء وخرجت وهو جالس فى مكانه فقالت : ألم تشرب؟
قال : بلى قالت : فاذهب الى أهلك فسكت فأعادت عليه ثلاثا ثمّ قالت : سبحان الله يا عبد الله قم الى أهلك ـ عافاك الله ـ فانه لا يصلح لك الجلوس على بابى ، ولا أحلّه لك ، ثمّ قام فقال : يا أمّة الله والله ما لي فى هذا المصر من أهل فهل لك فى معروف وأجر لعلىّ اكافئك به بعد اليوم ، قالت : يا عبد الله وما ذاك؟ قال : أنا مسلم بن عقيل كذبنى هؤلاء القوم وغرونى وخذلونى.
قالت : أنت مسلم؟ قال : نعم قالت : ادخل فأدخلته بيتا فى دارها وفرشت له وعرضت عليه العشاء وجاء ابنها فرآها تكثر الدخول فى البيت فسألها ، فقالت : يا بنىّ أله عن هذا قال : والله لتخبرينى وألحّ عليها فقالت : يا بنىّ لا تخبر به أحدا من الناس وأخذت عليه الأيمان ، فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت.
فلمّا طال على ابن زياد ولم يسمع أصوات أصحاب ابن عقيل قال لاصحابه : اشرفوا فانظروا فأخذوا ينظرون وأدلوا القناديل وأطنان القصب تشدّ بالحبال وتدلى وتلهب فيها النار ، حتّى فعل ذلك بالاظلّة الّتي فى المسجد كلّها فلمّا لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد ففتح باب السدة وخرج ونادى فى الناس : برئت الذمّة من رجل صلى العتمة الّا فى المسجد.
فاجتمع الناس فى ساعة فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد : فان ابن عقيل السفيه الجاهل ، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمّة الله من رجل وجد فى داره ، ومن جاء به فله ديته ، اتّقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا ، يا حصين بن تميم ، ثكلتك امك ان ضاع شيء من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل ولم تأتنى به وقد سلطتك على دور أهل الكوفة ،