الأم الخامسة ـ قالت عائشة (١) : كان لنا ثوب ممدود على سهوة (٢) فيها تصاوير ، فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يصلّى إليه ، ثم قال : أخريه عنى ، فجعلت منه وسادتين ، فكان النبي صلّى الله عليه وسلم يرتفق بهما. وفي رواية في حديث النّمرقة قالت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسّدها ، فقال : إنّ أصحاب هذه الصور يعذّبون يوم القيامة ، وإن الملائكة لا يدخلون بيتا فيه صورة.
قال القاضي : فتبيّن بهذه الأحاديث أنّ الصور ممنوعة على العموم ، ثم جاء : إلّا ما كان رقما في ثوب ، فخصّ من جملة الصور ، ثم بقول النبي صلّى الله عليه وسلم لعائشة في الثوب المصوّر : أخّريه عنّى ، فإنى كلما رأيته ذكرت الدنيا. فثبتت الكراهة فيه. ثم بهتك النبىّ صلّى الله عليه وسلم الثوب المصوّر على عائشة منع منه ، ثم بقطعها لها وسادتين حتى تغيّرت الصورة وخرجت عن هيئتها بأن جواز (٣) ذلك إذا لم تكن الصورة فيه متصلة الهيئة ، ولو كانت متصلة الهيئة لم يجز لقولها في النمرقة المصوّرة : اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها ، فمنع منه وتوعّد عليه ، وتبيّن بحديث الصلاة إلى الصورة أن ذلك كان جائزا [في الرّقم] (٤) في الثوب ، ثم نسخه المنع ، فهكذا استقر فيه الأمر. والله أعلم.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ).
قال ابن القاسم ـ عن مالك : كالجوبة من الأرض. وقدور راسيات ، يعنى لا تحمل ولا تحرّك لعظمها ، وكذلك كانت قدور عبد الله بن جدعان يصعد إليها في الجاهلية بسلّم ، ورأيت برباط أبى سعيد قدور (٥) الصوفية على نحو ذلك ، فإنهم يطبخون جميعا ، ويأكلون جميعا من غير استئثار أحد (٦) منهم عن أحد ، وعنها عبّر طرفة بن العبد بقوله (٧) :
كالجوابى لا تنى مترعة |
|
لقرى الأضياف أو للمحتضر |
__________________
(١) مسلم : ١٦٦٨ ، ١٦٦٩.
(٢) السهوة : سترة قدام فناء البيت ؛ والحجلة وشبهها (القاموس). والسهوة بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة. وقيل كالصفة تكون بين يدي البيت. وقيل شبيه بالرف أو الطاق يوضع فيه الشيء (النهاية).
(٣) في ا : جوازه.
(٤) ليس في ش.
(٥) في ش : قدر.
(٦) في ش : لأحد.
(٧) ديوانه : ٥٦.