وتحقيقه أن يقال : إنّ الله أباح وحرّم ، فالحرام ضلال ، والمباح هدى ، فإن كان المباح حقا ـ كما اتفق عليه العلماء ـ فالشطرنج من المباح ، فلا يكون من الضلال ، لأنّ من استباح ما أباح الله لا يقال له ضالّ ، وإن كان الشطرنج خارجا من المباح فيفتقر إلى دليل ، فإذا قام الدليل على أنه حرام فحينئذ يكون من الضلال الذي تضمّنته هذه الآية ، وقد قدمنا القول فيه ، وأنّ قول الشافعية إنه يخالف النرد ، لأن فيه إكداد الفهم ، واستعمال القريحة ، والنّرد قمار غرر لا يعلم ما يخرج له فيه ، كالاستقسام بالأزلام.
وقال علماؤنا : إنّ الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(١) : من لعب بالنرد شير فقد غمس يده في لحم الخنزير ودمه ـ يوجب النهى عن الشطرنج ، لأنّ الكلّ يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، والفهم يكدّ في كل واحد منهما وإن تفاضلا فيه.
وأما لعب الرجل مع امرأته بالأربع عشرة فالممتنع لا تفترق فيه المرأة تكون للرجل ولا الأجنبى منه ، كما لا يجوز له أن يلعب معها بالنرد شير لعموم النهى فيه ، والأربع عشرة قمار مثله.
وأما الغناء فإنه من اللهو المهيّج للقلوب عند أكثر العلماء ، منهم مالك بن أنس ، وليس في القرآن ولا في السنة دليل على تحريمه.
أما أن في الحديث الصحيح [دليلا على] (٢) إباحته ، وهو الحديث الصحيح أن أبا بكر دخل على عائشة وعندها جاريتان حاديتان (٣) من حاديات الأنصار ، تغنيان بما تقاولت الأنصار به يوم بعاث ، فقال أبو بكر : أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله : دعهما يا أبا بكر ، فإنه يوم عيد ، فلو كان الغناء حراما ما كان في بيت رسول الله ، وقد أنكره أبو بكر بظاهر الحال ، فأقرّه النبىّ صلى الله عليه وسلم بفضل (٤) الرخصة والرفق بالخليقة في إجمام القلوب ، إذ ليس جميعها يحمل الجدّ دائما. وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يوم عيد يدلّ على كراهية دوامه ، ورخصته في الأسباب كالعيد ، والعرس ، وقدوم الغائب ، ونحو ذلك من المجتمعات التي تؤلف بين المفترقين والمفترقات عادة.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٧٧٠.
(٢) من ل.
(٣) في ل : من جواري الأنصار.
(٤) في ا : بفعل.