الثالث ـ أن تعظم ، قاله الحسن.
فأما من قال : إن معناها تبنى فهو متمعّن ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص (١) قطاة بنى الله له بيتا في الجنة.
ومن قال : إنها تطهّر من الأقذار والأنجاس فذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : إن المسجد لينزوى من النجاسة كما تنزوى الجلدة من النار. وهذا في النجاسة الظاهرة ، فما ظنّك بغيرها؟ وأما من قال : إنها ترفع فالرفع حسّا كالبناء ، وحكما كالتطهير والتنظيف ، وكما تطهر عن ذلك فإنها مطهّرة عن اللغو والرفث ، لقوله ، وهي :
المسألة الثالثة ـ (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ). وهذا يدلّ على أنها المساجد كلها ، ضرب الله المثل لنوره بالزيت الذي يتوقّد منه المصباح في البقعة المكرمة ، وهي المساجد ، تتميما لتشريف المثل بالمثل وجلاله من كل جهة. وقد بينا في شرح الحديث من ذكر المساجد جملا عظيمة تربو على المأمول فيه.
الآية الحادية والعشرون ـ قوله تعالى (٢) : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٣) :
روى الطبرىّ أنّ رجلا من المنافقين كان يقال له بشر ، كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة ، وكان اليهودي يدعوه إلى [التحاكم عند] (٤) النبىّ ، وكان المنافق يدعوه إلى كعب بن الأشرف ، وقال : إن محمدا يحيف علينا ، وكان المنافق إذا توجّه عليه الحق دعا إلى غير النبي ، وإذا كان له الحق دعاه إليه ليستوفيه له ، فنزلت الآية فيه.
المسألة الثانية ـ قد بينا أنه إذا كان الحكم بين المعاهد والمسلم ـ أنّ القضاء يكون للمسلمين لا حقّ لأهل الذمة فيه ، وإن كان بين ذميين فذلك إليهما ، فإذا جاء قاضى الإسلام فإن شاء حكم وإن شاء أعرض ، حسبما تقدم بيانه مستوفى (٥) ، والحمد لله.
__________________
(١) مفحص القطاة : حيث تفرخ فيه من الأرض.
(٢) آية ٤٨.
(٣) أسباب النزول : ١٨٨.
(٤) من القرطبي.
(٥) تقدم في سورة المائدة.