المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً).
وفيه ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنه القدرة على السعى والاكتساب ، وبه قال مالك والشافعى.
الثاني ـ أنّ الخير المال ، وهو قول عطاء.
الثالث ـ أنه الوفاء والصدق والأمانة ، وهو قول الشافعى الثاني.
فأما القول الأول بأنه المال فلا إشكال فيه.
وأما القدرة على الأداء بحسن السعى والاكتساب فظاهر أنه يلحق به ، لأنه مال منجّم يجتمع بالسعي في مدّة الأجل.
وأما من قال : إنه الصدق والأمانة فكأنه نظر إلى معنى هو مشروط في كل طاعة وفعل ، فلا تختصّ هذه الكتابة باشتراطه وحدها.
المسألة الثامنة ـ إذا كاتب عبده على مال قاطعه عليه نجوما ، فإن جعله حالّا فقد اختلف فيه السلف والعلماء على قولين ، واختلف قول علمائنا باختلافهم (١).
والصحيح في النظر أنّ الكتابة مؤجّلة ، كما ورد بها الأثر في حديث بريرة حين كاتبت أهلها على تسع أواق في كلّ عام أوقية. وكما فعلت الصحابة ، ولذلك سميت كتابة ، لأنها تكتب ويشهد عليها ، فقد استوثق (٢) الاسم والأثر ، وعضده المعنى ، فإنّ المال إن جعله حالّا فلا يخلو أن يكون عند العبد ، أو لا يكون عنده شيء ، فإن كان عنده ما قطعه عليه فهو مال مقاطعة وعقد مقاطعة ، لا عقد كتابة ، وإن لم يكن عند العبد مال لم يجز أن يجعل ما يكاتبه عليه حالّا ، لأنه أجل مجهول فيدخله الغرر ، وتقع المنازعة عند المطالبة ، وذلك منهىّ عنه شرعا من جهة الغرر ، ومن جهة الدين ، مع ما فيه من مخالفة السنة.
فإن قيل : إنما جعل الأجل رفقا بالعبد ، فإن شاء أن يرتفق وإلا ترك حقّه.
قلنا : كلّ حقّ هو إسقاط محض وترك صرف فهو جائر ، وكلّ حق يترك في عقد يعود عليه بالغرر لا يجوز إجماعا. وقد أشبعنا القول في كتب الخلاف في هذه المسألة ، فمن أراده فلينظره هنالك.
__________________
(١) في القرطبي : كاختلافهم.
(٢) في ا : اشتد.