قلنا : وها هنا عطف الرّجلين على الرءوس وشركهما في فعلهما ، وإن لم يكن به مفعوله ، تعويلا على بيان المبلغ ، فقد بلغ ، وقد بينا أيضا أنها تكون ممسوحة تحت الخفّين ، وذلك ظاهر في البيان ، وقد أفردناها مستقلة في جزء.
المسألة الثانية والأربعون ـ إذا ثبت وجه التأويل في المسح على الخفين فإنها أصل في الشريعة وعلامة مفرّقة بين أهل السنة والبدعة ، وردت به الأخبار.
فإن قيل : هي أخبار آحاد ، وخبر الواحد عند المبتدعة باطل.
قلنا : خبر الواحد أصل عظيم لا ينكره إلا زائغ ، وقد أجمعت الصحابة على الرجوع إليه ، وقد جمعناه في جزء.
الجواب الثاني ـ إنها مرويّة تواترا ، لأنّ الأمة اتفقت على نقلها خلفا عن سلف ، وإن أضيفت إلى آحاد ، كما أضيف اختلاف القراءات إلى القرّاء في نقل القرآن ، وهو متواتر. وقد استوفينا الكلام فيها في شرح الحديث.
المسألة الثالثة والأربعون ـ قوله تعالى : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) :
اختلف فيهما ، فقال مالك والشافعى والجماعة : إنهما العظمان الناتئان في المفصل بين الساق والرّجل.
وقد قال القاضي عبد الوهاب ، عن ابن القاسم : إنهما العظمان الناتئان في وجه القدم ، وبه قال محمد بن الحسن.
وقال الخليل : الكعب هو الذي بين الساق والقدم. والعقب هو معقد الشراك ، وتقتضي لغة العرب أنّ كل ناتئ كعب ، يقال كعب ثدي المرأة إذا برز عن صدرها.
ولا يجوز أن يراد به الذي يعقد فيه الشراك ، لوجهين : أحدهما أنه ليس مشهورا في اللغة.
والثاني أنه لا يتحصّل به غسل الرجلين ، لأنه ليس بغاية لهما ولا ببعض معلوم منهما ، والإحالة على المجهول في التكليف لا تجوز إلا بالبيان ، وإن لم يكن قرآنا ، ولا من النبي صلى الله عليه وسلم سنّة ، فبطل ، بل جاءت السنة بضدّها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (١) : ويل للعراقيب من النار. وهذا يبطل أن يكون معقد الشراك حذاءه لا فوقه ، يعضده أر
__________________
(١) صحيح مسلم : ٢١٥ ، والترمذي : ١ ـ ٥٨