شيئا مذكورا ، وسيعود مقبورا. وهذا زمان وسط بينهما ، فيا ويحه إن كان محسورا فينظر حينئذ أنه عبد مربوب ، مكلّف مخوّف بالعذاب إن قصر ، مرجّى بالثواب إن ائتمر ، فيقبل على عبادة مولاه ، فإنه وإن كان لا يراه يراه ، ولا يخشى الناس فالله أحقّ أن يخشاه ، ولا يتكبر على أحد من عباد الله ؛ فإنه مؤلّف من أقذار ، مشحون من أوضار ، صائر إلى جنّة إن أطاع أو إلى نار. ولذلك كان شيوخنا يستحبون أن ينظر المرء في الأبيات الحكمية التي جمعت هذه الأوصاف العلمية :
كيف يزهى من رجيعه (١) |
|
أبد الدهر ضجيعه |
فهو منه وإليه |
|
وأخوه ورضيعه |
وهو يدعوه إلى الحش (٢) |
|
بصغر فيطيعه |
المسألة الثالثة ـ أى العلمين أفضل : التفكر أم الصلاة؟
اختلف في ذلك الناس ، فصغو (٣) ـ أى ميل ـ الصوفية إلى أن الفكرة أفضل ، فإنها تثمر المعرفة ، وهي أفضل المقامات الشرعية.
وصغو (٤) الفقهاء إلى أنّ الصلاة والذكر أفضل ؛ لما روى في ذلك من الحث والدعاء إليها ، والترغيب فيها ، والإيعاز بمنازلها وثوابها. والذي عندي فيه أن الناس مختلفون ، فمن كان شديد الفكر ، قوىّ النظر ، مستمرّ المرر ، قادر على الأدلة ، متبحّرا في المعارف ، فالفكر له أفضل ، ومن كان دون ذلك فالأعمال أقوى لنفسه ، وأثبت لعوده (٥).
ثبت عن ابن عباس عن النبىّ صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه بات عند زوجه ميمونة ، وبات ابن عباس معه في ليلة لم تكن ميمونة تصلّى فيها ، فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه في طول الوسادة ، واضطجع ابن عباس في عرضها ؛ فلما انتصف الليل أو قبله بقليل ، أو بعده ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمسح النّوم عن وجهه ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران (٦) : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
__________________
(١) الرجيع : العذرة والروث.
(٢) الحش : النخل المجتمع ، ويكنى به عن بيت الخلاء.
(٣) ميل.
(٤) في ل : لقوده.
(٥) الآية التسعون بعد المائة من آل عمران.