الثالث ـ أن المراد به (١) جميع المسلمين ، أى لأهل كل جهة من الآفاق وجهة ممّن بمكة وممن بعد (٢) ، ليس بعضها مقدّما على البعض في الصواب ؛ لأن الله تعالى هو الذي ولّى جميعها [٢٤] وشرع جملتها ، وهي وإن كانت متعارضة في الظاهر والمعاينة فإنها متفقة في القصد وامتثال الأمر.
وقرئ : هو مولّاها ، يعنى المصلى ؛ التقدير المصلى هو موجّه نحوها ، وكذلك قيل في قراءة من قرأ هو موليها ؛ إن المعنى أيضا أن المصلى هو متوجّه نحوها ؛ والأول أصحّ في النظر ، وأشهر في القراءة والخبر.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ).
معناه : افعلوا الخيرات ، من السّبق ، وهو المبادرة إلى الأوّلية ، وذلك حثّ على المبادرة والاستعجال إلى الطاعات ، ولا خلاف فيه بين الأمة في الجملة.
وفي التفضيل اختلاف ؛ وأعظم مهمّ اختلفوا في تفضيله الصلاة ؛ فقال الشافعى (٣) : أول الوقت فيها أفضل من غير تفصيل ؛ لظاهر هذه وغيرها ، كقوله تعالى (٤) : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
وقال أبو حنيفة : آخر الوقت أفضل ؛ لأنه عنده وقت الوجوب حسبما مهّدناه في مسائل الخلاف.
وأمّا مالك ففصّل القول ؛ فأما الصبح والمغرب فأول الوقت فيهما أفضل عنده من غير خلاف. وأما الظهر والعصر فلم يختلف قوله : إن أول الوقت أفضل للفذّ (٥) ، وإن الجماعة تؤخّر على ما في حديث عمر رضى الله عنه ؛ والمشهور في العشاء أن تأخيرها أفضل لمن قدر عليه ، ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخّرها ليلة حتى رقد الناس واستيقظوا ، ثم قال (٦) : لو لا أن أشقّ على أمتى لأخّرتها هكذا.
وأما الظهر فإنها تأتى الناس على غفلة فيستحبّ تأخيرها قليلا حتى يتأهّبوا ويجتمعوا.
وأما العصر فتقديمها أفضل.
__________________
(١) في ا : المراد به في جميع المسلمين.
(٢) في م : يليه.
(٣) هنا في م : مسألة التفضيل يتعلق بأول وقت الصلاة.
(٤) سورة آل عمران ، آية ١٣٣
(٥) الفذ : الفرد.
(٦) صحيح مسلم : ٤٤٤