أحد ، فعاد (١) ذلك بالضرر عليهم ، فأرخص الله سبحانه في المخالطة قصدا للإصلاح ، ونزلت هذه (٢) : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ).
المسألة السادسة ـ إن كان المعنى بالآية الإنفاق فذلك يكون ما دامت الولاية ، ويكون اسم اليتم حقيقة كما قدمناه. وإن كان الإيتاء هو التمكين وإسلام المال إليه فذلك عند الرشد ، ويكون تسميته يتيما مجازا ؛ المعنى الذي كان يتيما.
وقال أبو حنيفة : إذا بلغ اليتيم خمسا وعشرين سنة أعطى ماله على أى حال كان.
وهذا باطل ؛ فإنّ الآية المطلقة مردودة إلى المقيدة [١٠٨] عندنا.
والمعنى الجامع بينهما أنّ العلة التي لأجلها منع اليتيم من ماله هي خوف التلف عليه بغرارته وسفهه ؛ فما دامت العلّة مستمرة لا يرتفع الحكم ، وإذا زالت العلّة زال الحكم ؛ وهذا هو المعنى بقوله سبحانه (٣) : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ).
وقد بينّا وجوب حمل المطلق على المقيّد ، وتحقيقه في أصول الفقه والمسائل ، وهبكم أنّا لا نحمل المطلق على المقيد فالحكم بخمس وعشرين سنة لا وجه له ، لا سيما وأبو حنيفة يرى المقدّرات لا تثبت قياسا ، وإنما تؤخذ من جهة النص ، وليس في هذه المسألة نصّ ولا قول من جميع وجوهه ، ولا يشهد له المعنى.
الآية الثالثة ـ قوله تعالى (٤) : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).
فيها اثنتا عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها :
ثبت في الصحيح أنّ عروة (٥) سأل عائشة عن هذه الآية ، فقالت : هي اليتيمة تكون في حجر الرجل تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، ويريد أن يتزوّجها ، ولا يقسط
__________________
(١) في ا : عاد ، وهو تحريف.
(٢) سورة البقرة ، آية : ٢٢٠
(٣) سورة النساء ، آية ٦
(٤) الآية الثالثة من السورة.
(٥) ابن كثير : ١ ـ ٤٤٩