فرض في نفسه أن يطيع ، وعليه فرض في دينه أن ينبّه غيره على ما يجهله من طاعة أو معصية ، وينهاه عما يكون عليه من ذنب. وقد بيناه في الآية الأولى قبلها.
المسألة الرابعة ـ في ترتيب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر :
ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (١) : من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ؛ فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان. وفي هذا الحديث من غريب الفقه أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم بدأ في البيان بالأخير في الفعل ، وهو تغيير المنكر باليد ، وإنما يبدأ باللسان والبيان ، فإن لم يكن فباليد.
يعنى أن يحول بين المنكر وبين متعاطيه بنزعه عنه وبجذبه منه ، فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه ، وذلك إنما هو إلى السلطان ؛ لأن شهر السلاح بين الناس قد يكون مخرجا إلى الفتنة ، وآئلا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، إلا أن يقوى المنكر ؛ مثل أن يرى عدوّا يقتل عدوّا فينزعه عنه ولا يستطيع الّا يدفعه ، ويتحقّق أنه لو تركه قتله ، وهو قادر على نزعه ولا يسلمه بحال ، وليخرج السلاح.
وقد بيناه في موضعه.
ويعنى بقوله : «وذلك أضعف الإيمان» أنه ليس وراءه في التغيير درجة.
المسألة الخامسة ـ في هذه الآية دليل على مسألة اختلف [١٠٠] فيها العلماء ؛ وهي إذا رأى مسلم فحلا يصول على مسلم فإنه يلزمه أن يدفعه عنه ، وإن أدّى إلى قتله ، ولا ضمان على قاتله حينئذ ؛ سواء كان القاتل له هو الذي صال عليه الفحل ، أو معينا له من الخلق ؛ وذلك أنه إذا دفعه عنه فقد قام بفرض يلزم جميع المسلمين ؛ فناب عنهم فيه ؛ ومن جملتهم مالك الفحل ؛ فكيف يكون نائبا عنه في قتل الصائل ويلزمه ضمانه؟
وقال أبو حنيفة : يلزمه الضمان ؛ وقد بيناها في مسائل الخلاف.
المسألة السادسة ـ في هذه الآية دليل على تعظيم هذه الأمة ؛ وكذلك في قوله سبحانه (٢) : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، وإشارة لتقديمها على سائر الأمم.
وفي الأثر ينمى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إنكم تتمّون سبعين أمة أنتم خيرها.
__________________
(١) صحيح مسلم : ٦٩
(٢) آل عمران : ١١٠