من حلف على يمين صبر (١) ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان ؛ فأنزل الله تعالى تصديق ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ...) الآية. قال : فجاء الأشعث بن قيس فقال : فىّ نزلت ، كان لي بئر في أرض ابن عمر ، وفي رواية : كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني. قال النبي عليه السلام : بيّنتك أو يمينه. فقلت : إذا يحلف يا رسول الله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم ... وذكر الحديث. وذلك يحتمل ما صحّ في الحديث وما روى عن اليهود.
المسألة الثانية ـ قال علماؤنا : هذا دليل على أنّ حكم الحاكم لا يحلّ المال في الباطن بقضاء الظاهر ، إذا علم المحكوم له بطلانه.
وقد روت أمّ سلمة في الصحيح أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال (٢) : إنما أنا بشر ، وأنتم تختصمون إلىّ ، ولعلّ بعضكم أن يكون الحن بحجّته من بعض ، فأقضى له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذه ؛ فإنما أقطع له قطعة من النار.
وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ، وإنما ناقض أبو حنيفة وغلا ، فقال : إنّ حكم الحاكم المبنىّ على الشهادة الباطلة يحلّ الفرج لمن كان محرّما عليه ، وسيأتى بطلان قوله في آية اللعان إن شاء الله تعالى.
الآية الحادية عشرة ـ قوله تعالى (٣) : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ ، وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٤) :
قيل : إنها نزلت في نصارى نجران ، وكذلك روى أنّ السورة كلها إلى قوله : (وَإِذْ
__________________
(١) يمين صبر : أى ألزم بها وحبس عليها ، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم (النهاية).
وفي ابن كثير ١ ـ ٣٧٥ : على يمين كاذبة.
(٢) صحيح مسلم : ١٣٣٧
(٣) الآية التاسعة والسبعون ، والآية الثمانون.
(٤) ابن كثير : ١ ـ ٣٧٧