أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه / ٤٩ ، ٥٠] ، فإذا جئنا فسخّرنا علم الحياة كلها في تفسير هذه الآية وبيان عظمة الخلق الإلهي ودقته كان حسنا ومفيدا جدا ، لأننا سنبين هنا سر الإعجاز في هذه الآية الكريمة. فنحن هنا نتحدث فقط عن تفاصيل خلق الكائنات وسبل الهداية المتنوعة الدقيقة والعجيبة التي زوّد الله بها تعالى تلك الكائنات ، ولم ندّع أن القرآن فيه تفاصيل علم الكائنات ، لأنه من المعلوم أن تلك التفاصيل متروكة للعقل يكتشف فيها قوانين الحياة الدقيقة المتنوعة عبر الزمان والمكان.
وثانيهما : تفسير آية قرآنية بحقيقة علمية أو نظرية علمية محدّدة المعالم ، ففي قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) [الرعد / ٤١] لا يمكن أن نقطع بأن الآية تدلّ دلالة قطعية على كروية الأرض ، أو هي المعنى المقصود في الآية ، لعدم قيام الدليل القطعي على ذلك لا من منطوق الآية ولا مفهومها ، ولكن نستطيع أن نقول إنه من الاحتمال أن تكون كروية الأرض ضمن معنى الآية الكريمة ، وكذلك قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء / ٣٠].
فالنظريات العلمية في نشأة الكون تذهب إلى أن النجوم والكواكب كانت ، في مبدأ نشوئها ، كتلة سديمية كبيرة جدا تكونت منها تلك النجوم والكواكب بفعل قوانين طبيعية فيزيائية معينة ، فإذا جاء المفسّر فادّعى أن المقصود بمعنى الآية تلك النظريات أخطأ في مدّعاه ، وإذا قال ليس بعيدا أن يكون ذلك المعنى هو المراد كان الاحتمال في صدق مدّعاه قائما ، وحينئذ لم يفعل شيئا إلا أنه استأنس بتلك النظريات في إلقاء الضوء على معنى الآية ، فإذا أخطأ في التفسير ، لبطلان تلك النظريات في يوم من الأيام ، كان الخطأ خطأ التفسير وليس بطلانا لمعنى القرآن الكريم في آية من آياته».
إن جميع هذه المحاولات التوفيقية ، بين مؤيدي التفسير العلمي ومعارضيه ، استدعت أن يوضع للتفسير العلمي ضوابط محددة للمفسرين حتى لا يقع أحد في التقول على الله بغير علم ، فمن تقيد بها عصمته من الخطأ والخطل.
ومجمل هذه الشروط التي وضعها العلماء هي (١) :
١) مراعاة شروط التفسير العامة لكل تفسير والمقرة من قبل الأصوليين.
__________________
(١) أصول التفسير وقواعده ـ د. خالد عبد الرحمن العك ، ص ٢٢٤.