ولقد كان هذا
التصوّر سائدا عند الصحابة والتابعين ، لذا فإن الإمام الغزالي ينقل في إحياء علوم
الدين عن بعض العلماء «أن القرآن يحوي
سبعة وسبعين ألف علم ، ومائتي علم ، إذ كل كلمة علم» ، ثم يروي عن ابن مسعود رضي
الله عنه أنه قال : «من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبّر القرآن» ، ثم يقول بعد
ذلك : «وبالجملة ، فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عزوجل وصفاته ، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته ، وهذه
العلوم لا نهاية لها ، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها. ثم يزيد في ذلك فيقول : بل
كل ما أشكل فهمه على النظّار واختلفت فيه الخلائق في النظريات والمعقولات في
القرآن إليه رمز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بدركها ، فتفكر في القرآن والتمس
غرائبه لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين».
أما السيوطي فيعتبر احتواءه على علوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ،
ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة ، وأحرف معدودة ، أول وجه من وجوه إعجاز
القرآن ، ويروي أحاديث وآثار كثيرة في هذا الصدد ، منها ما رواه البيهقي عن الحسن
قال : أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب أودع علومها أربعة منها التوراة والإنجيل
والزبور والفرقان ، ثم أودع علوم الثلاثة في الفرقان. ويروى عن ابن مجاهد أنه قال
: ما شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله عزوجل. ويروى عن ابن أبي الفضل المرسي قوله : جمع القرآن علوم
الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علما إلا واهبها والمتكلم بها ، ثم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خلا ما استأثر به سبحانه ، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات
الصحابة وأعلامهم ، مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس ، حتى قال لو ضاع لي
عقال بعير لوجدته في كتاب الله. ثم يستعرض السيوطي جميع العلوم النابعة من القرآن
، فيجمع كل العلوم الموجودة في عصره ويصل إلى القول : «وقد احتوى على علوم أخر من علوم الأوائل ، مثل الطب
والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك» ، وينقل عن الراغب
قوله «إن الله تعالى كما جعل نبوءة النبيين بنبينا ومولانا محمد صلىاللهعليهوسلم مختتمة ، وشرائعهم بشرعته من وجه منتسخة ومن وجه متمّمة
مكملة جعل كتابه المنزل عليه متضمنا لثمرة كتبه التي أولها (أُولئِكَ عَلى هُدىً
مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة / ٥]
وقوله (يَتْلُوا
__________________