كان على مقدار ليلة منها عند جبل هناك قال رياح الطسمي : توقف أيها الملك فإن لي أختا متزوّجة في جديس يقال لها يمامة وهي أبصر خلق الله على بعد فإنها ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة وإني أخاف أن ترانا وتنذر بنا القوم ، فأقام تبع في ذلك الجبل وأمر رجلا أن يصعد الجبل فينظر ما ذا يرى ، فلما صعد الجبل دخل في رجله شوكة فأكبّ على رجله يستخرجها فأبصرته اليمامة وكانت زرقاء العين فقالت : يا قوم إني أرى على الجبل الفلاني رجلا وما أظنه إلّا عينا فاحذروه! فقالوا لها : ما يصنع؟ فقالت : إما يخصف نعلا أو ينهش كتفا ، فكذّبوها ، ثمّ إنّ رياحا قال للملك : مر أصحابك ليقطعوا من الشجر أغصانا ويستتروا بها ليشبهوا على اليمامة وليسيروا كذلك ليلا ، فقال تبع : أوفي الليل تبصر مثل النهار؟ قال : نعم أيها الملك بصرها بالليل أنفذ ، فأمر تبع أصحابه بذلك فقطعوا الشجر وأخذ كل رجل بيده غصنا حتى إذا دنوا من اليمامة ليلا نظرت اليمامة فقالت : يا آل جديس سارت إليكم الشّجراء أو جاءتكم أوائل خيل حمير ، فكذبوها فصبحتهم حمير فهرب الأسود بن غفار في نفر من قومه ومعه أخته فلحق بجبلي طيّء فنزل هناك ، فيقال إن له هناك بقية ، وفي شرح هذه القصة يقول الأعشى :
إذا أبصرت نظرة ليست بفاحشة |
|
إذا رفّع الآل رأس الكلب فارتفعا |
قالت : أرى رجلا في كفه كتف ، |
|
أو يخصف النعل ، لهفا أيّة صنعا! |
فكذّبوها بما قالت فصبّحهم |
|
ذو آل حسّان يزجي السّمر والسّلعا |
فاستنزلوا آل جوّ من منازلهم ، |
|
وهدّموا شاخص البنيان فاتضعا |
ولما نزل بجديس ما نزل قالت لهم زرقاء اليمامة : كيف رأيتم قولي؟ وأنشأت تقول :
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم ، |
|
فليس ما قد أرى م الأمر يحتقر |
إني أرى شجرا من خلفها بشر ، |
|
لأمر اجتمع الأقوام والشجر |
وهي من أبيات ركيكة ، وفتح تبّع حصون اليمامة وامتنع عليه الحصن الذي كانت فيه زرقاء اليمامة فصابره تبّع حتى افتتحه وقبض على زرقاء اليمامة وعلى صاحب الحصن وكان اسمه لا يكلم ثم قال لليمامة : ما ذا رأيت وكيف أنذرت قومك بنا؟ فقالت : رأيت رجلا عليه مسح أسود وهو ينكبّ على شيء فأخبرتهم أنه ينهش كتفا أو يخصف نعلا ، فقال تبّع للرجل : ما ذا صنعت حين صعدت الجبل؟ فقال : انقطع شراك نعلي ودخلت شوكة في رجلي فعالجت إصلاحها بفمي وعالجت نعلي بيدي ، قال : فأمر تبّع بقلع عينيها وقال : أحب أن أرى الذي أرى لها هذا النظر ، فلما قلع عينيها وجد عروقهما كلها محشوة بالإثمد ، قالوا : وكان قال لها أنّى لك حدّة البصر هذه؟ قالت : إني كنت آخذ حجرا أسود فأدقّه وأكتحل به فكان يقوّي بصري ، فيقال إنها أول من اكتحل بالإثمد من العرب ، قالوا : ولما قلع عينيها أمر بصلبها على باب جوّ وأن تسمى باسمها فسميت باسمها إلى الآن ، وقال تبع يذكر ذلك :
وسمّيت جوّا باليمامة بعد ما |
|
تركت عيونا باليمامة همّلا |
نزعت بها عيني فتاة بصيرة |
|
رغاما ولم أحفل بذلك محفلا |