سبحانه ويجوز أن يكون راجعا إليهما أو متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله وهو ما عد من أفعالهم المرضية أي فعلوا ذلك ليوفيهم أجورهم إلخ ، وجوز تعلقه بما قبله على التنازع وصنيع أبي البقاء يشعر باختيار تعلقه بيرجون وجعل اللام عليه لام الصيرورة. ويعقب بأنه لا مانع من جعلها لام العلة كما هو الشائع الكثير ولا يظهر للعدول عنه وجه.
ووجه ذلك الطيبي بأن غرضهم فيما فعلوا لم يكن سوى تجارة غير كاسدة لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقق الخبر ولما أدى ذلك إلى أن وفاهم الله تعالى أجورهم أتى باللام ، وإنما لم يذهب إليه بعض الأجلة كالزمخشري لأن هذه اللام لا توجد إلا فيما يترتب الثاني الذي هو مدخولها على الأول ولا يكون مطلوبا نحو تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وقوله تعالى : (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) تعليل لما قبله من التوفية والزيادة عند الكثير أي غفور لفرطات المطيعين شكور لطاعاتهم أي مجازيهم عليها أكمل الجزاء فيوفي هؤلاء أجورهم ويزيدهم من فضله ، وجوز أن يكون خبرا بعد خبر والعائد محذوف أي لهم ، وجوز أن يكون هو الخبر بتقدير العائد وجملة (يَرْجُونَ) حال من ضمير (أَنْفَقُوا) بناء على أن القيد المتعقب لأمور متعددة يختص بالأخير كما هو مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أو على أن رجاء التجارة النافقة أوفق بالإنفاق أو من مقدر أي فعلوا جميع ذلك راجين.
واستظهره الطيبي ، والجملة عليه معترضة فلا يرد أن فيه الفصل بين المبتدأ وخبره بأجنبي ، وجوز أن يكون حالا من ضمير (الَّذِينَ) على سبيل التنازع ، ولم يشتهر التنازع في الحال وأنا لا أرى فيه بأسا ، واستظهر بعض المعاصرين جعل الجملة المذكورة حالا من ضمير (أَنْفَقُوا) لقربه وشدة الملاءمة بين الإنفاق ورجاء تجارة لها نفاق ولا يبعد أن يكون قد حذف فيما تقدم نظيرها لدلالتها عليه وجعل (لِيُوَفِّيَهُمْ) متنازعا فيه للأفعال الثلاثة المتعاطفة أو جعل الجملة حالا من مقدر كما سمعت آنفا و (لِيُوَفِّيَهُمْ) متعلقا بيرجون وجملة (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) خير المبتدأ والربط محذوف وفي جملة (يَرْجُونَ) إلخ احتمال الاستعارة التمثيلية ولو على بعد ولم أر من أشار إليه فتدبر.
(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) وهو القرآن ، و (مِنَ) للتبيين إذ القرآن أخص من الذي أوحينا مفهوما وإن اتحدا ذاتا أو جنس الكتاب ومن للتبعيض إذ المراد من (الَّذِي أَوْحَيْنا) هو القرآن وهو بعض جنس الكتاب ، وقيل هو اللوح ومن للابتداء (هُوَ الْحَقُ) إذا كان المراد الحصر فهو من قصر المسند إليه على المسند لا العكس لعدم استقامة المعنى إلا أن يقصد المبالغة قاله الخفاجي والمتبادر الشائع في أمثاله قصر المسند على المسند إليه وهو هاهنا إن لم تقصد المبالغة قصر إضافي بالنسبة إلى ما يفتريه أهل الكتاب وينسبونه إلى الله تعالى.
(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما تقدمه من الكتب السماوية ونصب (مُصَدِّقاً) على الحالية والعامل فيه مقدر يفهم من مضمون الجملة قبله أي أحققه مصدقا وهو حال مؤكدة لأن حقيته تستلزم موافقته الكتب الإلهية المتقدمة عليه بالزمان في العقائد وأصول الأحكام ، واللام للتقوية (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) محيط ببواطن أمورهم وظواهرها فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الحق المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب ، وتقديم «الخبير» للتنبيه على أن العمدة هي الأمور الروحانية ، وإلى ذلك أشارصلىاللهعليهوسلم بقوله : «إن الله لا ينظر إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم» (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) أي القرآن كما عليه الجمهور ، والعطف قيل على (الَّذِي أَوْحَيْنا) وقيل على (أَوْحَيْنا) بإقامة الظاهر مقام الضمير العائد على الموصول ، واستظهر ذلك بالقرب وتوافق الجملتين أي ثم أعطيناه من غير كد وتعب في طلبه (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) وهم كما قال ابن عباس وغيره أمة محمد صلىاللهعليهوسلم فإن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس وخصهم بالانتماء