حيان من ذلك بيت عمرو ، والأظهر فيه ما ذكره الطبرسي.
وأنت تعلم أنه إن صح الحديث فعليه الفتوى ، لكن ذكر شيخ الإسلام في ترجيح التفسير المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أولا على ما روي ثانيا بأنه يرد الثاني ما تصدى له عليهالسلام بصدد الامتثال من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسبما يتلى بعد ، وهو يبعد صحة الحديث ، والقول بأن النقم بالنسبة إلى قوم نعم بالنسبة إلى آخرين كما قيل :
مصائب قوم عند قوم فوائد
مما لا ينبغي أن يلتفت إليه عاقل في هذا المقام. نعم إن قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ظاهر في تفسير الأيام بالنعم وما يستدعي غير ذلك ستسمع فيه أقوالا لا يستدعيه على بعضها.
وزعم بعضهم أن المراد من قومه عليهالسلام القبط و (الظُّلُماتِ) و (النُّورِ) الكفر والإيمان لا غير ، وقيل: قومه عليهالسلام القبط. وبنو إسرائيل وكان عليهالسلام مبعوثا إليهم جميعا إلا أنه بعث إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله تعالى وأن لا يشركوا به سبحانه شيئا ، وإلى بني إسرائيل بذلك وبالتكليف بفروع الشريعة.
وقيل : هم بنو إسرائيل فقط إلا أن المراد من (الظُّلُماتِ) و (النُّورِ) إن كانوا كلهم مؤمنين ظلمات ذل العبودية ونور عزة الدين وظهور أمر الله تعالى ، ونحن نقول : نسأل الله تعالى أن يخرجنا وأهل هذه الأقوال من ظلمات الجهل إلى نور العلم (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في التذكير بأيام الله تعالى أو في الأيام (لَآياتٍ) عظيمة أو كثيرة دالة على وحدانية الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ، وهي على الأول الأيام ، ومعنى كون التذكير ظرفا لها كونه مناطا لظهورها ، وعلى الثاني كذلك أيضا إلا أن كلمة (فِي) تجريدية أو هي عليه كل واحدة من النعماء والبلاء ، والمشار إليه المجموع المشتمل عليها من حيث هو مجموع ، وجوز أن يراد بالأيام فيما سبق أنفسها المنطوية على النعم والنقم ، فإذا كانت الإشارة إليها وحملت الآيات على النعماء والبلاء فأمر الظرفية ظاهر (لِكُلِّ صَبَّارٍ) كثير الصبر على بلائه تعالى (شَكُورٍ) كثير الشكر لنعمائه عزوجل.
وقيل : المراد لكل مؤمن ، فعلى الأول الوصفان عبارتان لمعنيين ، وعلى هذا عبارة عن معنى واحد على طريق الكناية كحي مستوي القامة بادي البشرة في الكناية عن الإنسان ، والتعبير عن المؤمن بذلك للإشعار بأن الصبر والشكر عنوان المؤمن الدال على ما في باطنه. والمراد على ما قيل لكل من يليق بكمال الصبر والشكر أو الإيمان ويصير أمره إلى ذلك لا لمن اتصف به بالفعل لأن الكلام تعليل للأمر بالتذكير المذكور السابق على التذكير المؤدي إلى تلك المرتبة ، فإن من تذكر ما فاض أو نزل عليه أو على ما قبله من النعمة والنقمة وتنبه لعاقبة الصبر والشكر أو الإيمان لا يكاد يفارق ذلك وتخصيص الآيات بالصبار الشكور لأنه المنتفع بها لا لأنها خافية عن غيره فإن التبيين حاصل بالنسبة إلى الكل ، وتقديم الصبر على الشكر لما أن الصبر مفتاح الفرج المقتضي للشكر ، وقيل : لأنه من قبيل التروك يقال : صبرت الدابة إذا حبستها بلا علف والشكر ليس كذلك فإنه ـ كما قال الراغب ـ تصور النعمة وإظهارها ، قيل : وهو مقلوب الكشر أي الكشف ، وقيل : أصله من عين شكرى أي ممتلئة فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه ، وهو على ثلاثة أضرب : شكر القلب. وشكر اللسان. وشكر الجوارح ، وذكر أن توفية شكر الله تعالى صعبة ، ولذلك لم يثن سبحانه بالشكر على أحد من أوليائه إلا على اثنين نوح (١) وإبراهيم (٢) عليهماالسلام ، وقد يكون انقسام الشكر
__________________
(١) قال تعالى فيه (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) اه منه.
(٢) قال فيه «شاكرا لأنعمه اجتباه» اه منه.