هود» ، وأنت تعلم أن الأخبار متضافرة بضم سور أخرى إليها وإن اختلفت في تعيين المضموم كما مرّ أول السورة ، وحينئذ لا يخفى ما في الاستدلال من الخفاء ، ومن هنا قال صاحب الكشف : التخصيص بهود لهذه الآية غير لائح إذ ليس في الأخوات ذكر الاستقامة.
وذكر في قوت القلوب أنه لما كان القريب الحبيب صلى الله تعالى عليه وسلم شيبه ذكر البعد وأهله ثم قال : ولعل الأظهر أنه عليه الصلاة والسلام شيبه ذكر أهوال القيامة ، وكأنه ـ بأبي هو وأمي ـ شاهد منه يوما يجعل الوالدان شيبا انتهى.
وبعضهم استدل للتخصيص برؤيا أبي علي الشتري السابقة وفيه بعد تسليم صحة الرواية إن رؤيا النبيصلىاللهعليهوسلم وإن كانت حقا حيث إن الشيطان لا يتمثل به عليه الصلاة والسلام إلّا أنه من أين يجزم بضبط الرائي وتحقيقه ما رأى على أن مما يوهن أمر هذه الرؤيا ويقوي ظن عدم ثبوتها ما أخرجه ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «شيبتني هود وأخواتها وما فعل بالأمم قبلي» وذكر الشهاب ما يقوي اعتراض صاحب الكشف من أنه ليس في الطرق المروية في هذا الباب الاقتصار على هود بل ذكر معها أخواتها وليس فيها الأمر المذكور مع أنه وقع في غيرها من آل حميم ، ثم ذكر أنه لاح له ما يدفع الاشكال ؛ وذلك أن مبنى هذه السورة الكريمة على إرشاده تعالى شأنه نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم إلى كيفية الدعوة من مفتتحها إلى مختتمها وإلى ما يعتري من تصدى لهذه المرتبة السنية من الشدائد واحتماله لما يترتب عليه من الفوائد لا على التسلية إذ لا يطابق المقام حسبما تقدم لك عن صاحب الكشف ، ولما كانت هذه السورة جامعة لإرشاده من أول أمره إلى آخره وهذه الآية فذلكة لها فحينما نزلت هذه السورة هاله ما فيها من الشدائد وخاف من عدم القيام بأعبائها حتى إذا لقي الله تعالى في يوم الجزاء ربما مسه نصب من السؤال عنها فذكر القيامة في تلك السور يخوفه هولها لاحتمال تفريطه فيما أرشده الله تعالى له في هذه ، وهذا لا ينافي عصمته عليه الصلاة والسلام وقربه لكونه الأعلم بالله تعالى والأخوف منه ، فالخوف منها يذكره بما تضمنته هذه السورة فكأنها هي المشيبة له صلىاللهعليهوسلم من بينها ولذا بدأ بها في جميع الروايات ، ولما كانت تلك الآية فذلكة لها كانت هي المشيبة في الحقيقة فلا منافاة بين نسبة التشييب لتلك السور ولا لهذه السورة وحدها كما فعله من فعله ولا لتلك الآية كما وقع في تلك الرؤيا انتهى ، وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه آخر لنسبة التشييب لهذه السورة فليتأمل ، وذهب بعض المحققين إلى كون الكاف في (كَما) بمعنى على كما في قولهم : كن كما أنت عليه أي على ما أنت عليه ، ومن هنا قال ابن عطية وجماعة : المعنى استقم على القرآن ، وقال مقاتل : امض على التوحيد ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : استقم على الأخبار عن الله تعالى بصحة العزم ، والأظهر إبقاء ما على العموم أي استقم على جميع ما أمرت به ، والكلام في حذف مثل هذا الضمير أمر شائع ، وقد مرّ التنبيه عليه ، ومال بعضهم إلى كون الكاف للتشبيه حسبما هو الظاهر منها إلّا أنه قال : إنها في حكم مثل في قولهم : مثلك لا يبخل فكأنه قيل : استقم الاستقامة التي أمرت بها فرارا من تشبيه الشيء بنفسه ولا يخفى أنه ليس بلازم ، ومن الغريب ما نقل عن أبي حيان أنه قال في تذكرته : فإن قلت : كيف جاء هذا التشبيه للاستقامة بالأمر؟ قلت : هو على حذف مضاف تقديره مثل مطلوب الأمر أي مدلوله ، فإن قلت : الاستقامة المأمور بها هي مطلوب الأمر فكيف يكون مثلا لها؟ قلت : مطلوب الأمر كلي والمأمور جزئي فحصلت المغايرة وصح التشبيه كقولك : صل ركعتين كما أمرت ، وأبعد بعضهم فجعل الكاف بمعنى على واستفعل للطلب كاستغفر الله تعالى أي اطلب الغفران منه ، وقال : المعنى اطلب الإقامة على الدين.
(وَمَنْ تابَ مَعَكَ) أي تاب من الشرك وآمن معك فالمعية باعتبار اللازم من غير نظر إلى ما تقدمه وغيره ، وقد