ما يكفيك وأهلك ؛ أو كلّ ما تحتاج اليه فيحتمل أن يكون المراد ترك التوجّه الى تحصيل الرزق وكسب المعيشة بالكلية ؛ ويكون من خصائصه صلوات الله عليه وآله ولهذا قيل ففرّغ بالك لأمر الآخرة من العبادة وأداء الرسالة ؛ وقد يفهم منه الأمر بكلّ ما أمر به ، والصبر على تكاليفه كلّها ؛ وعدم جعل الرزق مانعا أصلا كما هو المناسب لشأن النبوّة ومنزلة الرسالة.
وينبّه عليه قوله تعالى (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) لدلالته على عدم الاعتداد بالدنيا لعدم العاقبة أو عدم عاقبة محمودة ؛ وانحصار العاقبة أو المحمودة في التقوى الذي هو العمل بمقتضى أوامر الله ونواهيه تعالى ؛ فمع كفاية الرزق في الدنيا لا وجه للتوجّه إليها وعدم التفرّغ للتقوى ؛ إلّا أنّ الإنسان كالمجبول على هذا.
ثمّ لا يخفى أنّ اللازم حينئذ اختصاص وجوب الاصطبار أيضا لأنّ هذا كالتعليل للأمرين خلافا لكنز العرفان ؛ نعم قد يستحبّ لغيره ، ويحتمل العموم ، ولهذا ورد «من كان لله كان الله له ومن أصلح أمر دينه أصلح الله أمر دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس» (١) وقال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ويكون توجّه الأمر إلى خصوصه مثل توجّهه إليه في آيات أخر ، ولعلّ الأولى حينئذ أن يراد ترك الاعتناء والاهتمام ، لكون ذلك مظنّة للوقوع في خلاف الأولى كما روي عن عبد الله بن قسيط عن رافع (٢) «قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى يهوديّ وقال قل له يقول لك رسول الله أقرضني إلى رجب ، فقال والله لا أقرضته إلّا برهن ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنّى لأمين في السماء وإنّى لأمين في الأرض احمل إليه درعي الحديد ، فنزلت (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) وهذا كالتتمة لها كما لا يخفى.
__________________
(١) انظر مسالك الافهام ج ١ ص ١٣٢ والوسائل الباب ٣٩ من أبواب جهاد النفس.
(٢) كذلك في الكشاف ج ٣ ص ٩٩ وترى مضمون الحديث في الدر المنثور ج ٤ ص ٣١٢ عن أبى رافع ومثله في الخازن ج ٣ ص ٢٥٣ ونص ابن حجر في الشاف الكاف ذيل الكشاف ج ٣ ص ٩٩ وقوع التحريف في الروايتين وانه يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابى رافع :