وإنّما تريد أشرف ما فيه من جهة شدّة ظهوره وحسن بيانه تأمّل فيه.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي يوفّر ويؤدّى إليكم يعنى ثوابه وجزاؤه قيل : أي في الآخرة عن ابن عباس.
(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) بمنع ثوابه ولا بنقصان جزائه بل تعطون أضعافا مضاعفة ، فالجملة الاولى دلّت على أنّ نفع الإنفاق إنّما هو للمنفق ، فينبغي أن ينفق ما يرضى به لنفسه ولا يقصر فيه ولا يفسده بالمنّ والأذى ولا يتطاول به على الناس.
والثانية أنّ الإنفاق إنّما هو لوجه الله ، وغيره ضائع باطل ، فيجب أن يكون على ما يليق بابتغاء وجه الله به فلا يجوز على وجه الرّياء والسمعة ، ولا تكديره بالمنّ والأذى والتطاول على الناس ولا تقديم الخبيث الذي لا يليق لذلك فإنّه لا يرضى به لنفسه بل ينبغي ما هو أحبّ وأحسن.
والثالثة على ما دلّت عليه الاولى ، وزيادة أنّ ذلك يرجع إليه كملا من غير نقصان أصلا (١) وفي تكرير ذلك في جمل متعددة بعنوانات مختلفة محفوفة بوجوهات مؤكّدة من التبيين والتحريض والترغيب ما لا يخفى.
قيل : كان المسلمون يمتنعون عن التصدّق على غير أهل دينهم ، فأنزل الله هذه الاية عن ابن عباس وابن الحنفيّة وسعيد بن جبير ، فذلك في المتبرّع به إن صحّ ، وحمل على الجواز وإلّا فالآية الآتية يشعر باختصاصه بغيرهم وأما الواجب فإنّما أجاز أبو حنيفة صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة ، وأباه غيره ، وهو إجماعنا بل إجماع المسلمين أجمعين ، هذا.
ولمّا حثّ ورغّب في الإنفاق بأبلغ وجوه الترغيب وبيّن طريقه ، أشار إلى أفضل الفقراء الّذين هم مصرف الصدقات فقال :
(لِلْفُقَراءِ) أى اجعلوا ما تنفقون لهم أو اعمدوه أو الإنفاق لهم على أنّ الأمر
__________________
(١) في المعيار : أعطيته المال كملا كسبب اى كاملا وافيا هكذا يتكلم به وهو سواء في الجمع والواحد وليس بمصدر ولا نعت انما هو كقولك أعطيته المال اجمع وقريب منه في التاج واللسان نقلا عن ابن سيده.