(وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) كالولد أو الألفة التي تقع بعد الكراهة ، وبذلك قال ابن عباس ومجاهد ، وهذه الجملة علة للجزاء ؛ وقد أقيمت مقامه إيذانا بقوة استلزامها إياه فإن ـ عسى ـ لكونها لإنشاء الترجي لا تصلح للجوابية وهي تامة رافعة لما بعدها مستغنية عن الخبر ، والمعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن ، ولا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها ، فلعل لكم فيما تكرهونه (خَيْراً كَثِيراً) فإن النفس ربما تكره ما يحمد وتحب ما هو بخلافه فليكن مطمح النظر ما فيه خير وصلاح ، دون ما تهوى الأنفس ، ونكر (شَيْئاً) و (خَيْراً) ووصفه بما وصفه مبالغة في الحمل على ترك المفارقة وتعميما للإرشاد ، ولذا استدل بالآية على أن الطلاق مكروه ، وقرئ «ويجعل» بالرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف ، والجملة حال أي ـ وهو ـ أي ذلك الشيء (يَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) وقيل : تقديره والله يجعل الله بوضع المظهر موضع المضمر فالواو حينئذ حالية. وفي دخولها على المضارع ثلاثة مذاهب : الأول منع دخولها عليه إلا بتقدير مبتدأ ، والثاني جوازه مطلقا. والثالث التفصيل بأنه إن تضمن نكتة كدفع إيهام الوصفية حسن وإلا فلا ، ولا يخفى أن تقدير المبتدأ هنا خلاف الظاهر (وَإِنْ أَرَدْتُمُ) أيها الأزواج (اسْتِبْدالَ زَوْجٍ) إقامة امرأة ترغبون فيها (مَكانَ زَوْجٍ) أي امرأة ترغبون عنها بأن تطلقوها (وَآتَيْتُمْ) أي أعطى أحدكم (إِحْداهُنَ) أي إحدى الزوجات ، فإن المراد من الزوج هو الجنس الصادق مع المتعدد المناسب لخطاب الجمع ، والمراد من الإيتاء كما قال الكرخي : الالتزام والضمان كما في قوله تعالى : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ) [البقرة : ٢٣٣] أي ما التزمتم وضمنتم ، ومفهوم الشرط غير مراد على ما نص عليه بعض المحققين ، وإنما ذكر لأن تلك الحالة قد يتوهم فيها الأخذ فنبهوا على حكم ذلك ، والجملة حالية بتقدير قد لا معطوفة على الشرط أي وقد آتيتم التي تريدون أن تطلقوها وتجعلوا مكانها غيرها (قِنْطاراً) أي مالا كثيرا ، وقد تقدمت الأقوال فيه (فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ) أي من القنطار المؤتى (شَيْئاً) يسيرا أي فضلا عن الكثير (أَتَأْخُذُونَهُ) أي الشيء (بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) استئناف مسوق لتقرير النهي والاستفهام للإنكار والتوبيخ ، والمصدران منصوبان على الحالية بتأويل الوصف أي أتأخذونه باهتين وآثمين ، ويحتمل أن يكون منصوبين على العلة ولا فرق في هذا الباب بين أن تكون علة غائية وأن تكون علة باعثة ـ وما نحن فيه من الثاني ـ نحو قعدت عن الحرب جبنا لأن الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم فقد قيل : كان الرجل منهم إذا أراد جديدة بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك ، والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه ، وقال الزجاج : الباطل الذي يتحير من بطلانه ، وفسر هنا بالظلم ، وعن مجاهد أنه الإثم فعطف الإثم عليه للتفسير كما في قوله : وألفي قولها كذبا ومينا وقيل : المراد به هنا إنكار التمليك والمبين البين الظاهر (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) إنكار بعد إنكار ، وقد بولغ فيه على ما تقدم في (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) ، وقيل : تعجيب منه سبحانه وتعالى أي إن أخذكم له لعجيب (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) كناية عن الجماع على ما روي عن ابن عباس ومجاهد والسدي.
وقيل : المراد به الخلوة الصحيحة وإن لم يجامع واختاره الفراء ـ وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ـ وهو أحد قولين للإمامية ، وفي تفسير الكلبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ الإفضاء ـ الحصول معها في لحاف واحد جامعها أو لم يجامعها ، ورجح القول الأول بأن الكلام كناية بلا شبهة ، والعرب إنما تستعملها فيما يستحى من ذكره كالجماع ، والخلوة لا يستحى من ذكرها فلا تحتاج إلى الكناية ، وأيضا في تعدية الإفضاء بإلى ما يدل على معنى الوصول والاتصال ، وذلك أنسب بالجماع ، ومن ذهب إلى الثاني قال : إنما سميت الخلوة إفضاء لوصول الرجل بها إلى مكان الوطء ولا يسلم أن الخلوة لا يستحى من ذكرها ، والجملة حال من فاعل (تَأْخُذُونَهُ) مفيدة لتأكيد النكير وتقرير الاستبعاد أي على أي حال أو في أي تأخذونه ، والحال أنه قد وقع منكم ما وقع وقد (أَخَذْنَ مِنْكُمْ