على الآلهة المعبودة بباطل تنزيلا لها منزلة العدم ، وقال عبد الله الهبطي : إنما تسلط على الآلهة المعبودة بحق ولك انتصر بعض ، وذكر الملوي أن الحق مع الثاني لأن المعبود بباطل له وجود في الخارج ، ووجود في ذهن المؤمن بوصف كونه باطلا ، ووجود في ذهن الكافر بوصف كونه حقا فهو من حيث وجوده في الخارج في نفسه لا تنفى لأن الذات لا تنفى ، وكذا من حيث كونه معبودا بباطل لا ينفى أيضا إذ كونه معبودا بباطل أمر حق لا يصح نفيه وإلا كان كذبا ، وإنما ينفى من حيث وجوده في ذهن الكافر من حيث وجوده في ذهنه بوصف كونه معبودا بحق ، فالمعبودات الباطلة لم تنف إلا من حيث كونها معبودة بحق لم ينف في هذه الكلمة إلا المعبود بحق غيره تعالى فافهم ، وسيأتي تحقيق ما في هذه الكلمة الطيبة في محله إن شاء الله تعالى : (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ). خبران آخران بعد خبر أو خبرين لقوله تعالى (إِلهُكُمْ) أو لمبتدإ محذوف والجملة معترضة ، أو بدلان على رأي وجيء بهما لتمييز الذات الموصوفة بالوحدة عما سواه وليكون الجواب ، موافقا لما سألوه وفي ذلك إشارة إلى حجة الوحدانية لأنه لما كان مولى النعم كلها أصولا وفروعا دنيا وأخرى ، وما سواه إما خير محض أو خير غالب ، وهو إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره لاستواء الكل في الاحتياج إليه تعالى في الوجود وما يتبعه من الكمالات.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أخرج البيهقي عن أبي الضحى ـ معضلا ـ أنه كان للمشركين حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فلما سمعوا هذه الآية تعجبوا وقالوا : إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك ، فنزلت. ولفرط جهلهم لم يكفهم الحجة الإجمالية المشير إليها الوصفان ، وإنما جمع (السَّماواتِ) وأفرد (الْأَرْضِ) للانتفاع بجميع أجزاء الأولى باعتبار ما فيها من نور كواكبها وغيره دون الثانية فإنه إنما ينتفع بواحدة من آحادها ـ وهي ما نشاهده منها ـ وقال أبو حيان : لم تجمع (الْأَرْضِ) لأن جمعها ثقيل وهو مخالف للقياس ، ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه لثقله وخفة المفرد ، وجمع لم يقع مفرده ـ كالألباب ـ وفي المثل السائر نحوه ، وقال بعض المحققين : جمع (السَّماواتِ) لأنها طبقات ممتازة كل واحدة من الأخرى بذاتها الشخصية كما يدل عليه قوله تعالى : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩] سواء كانت متماسة ـ كما هو رأي الحكيم ـ أو لا ، كما جاء في الآثار ـ أن بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام ـ مختلفة الحقيقة لما أن الاختلاف في الآثار المشار إليه بقوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) [فصلت : ١٢] يدل عليه ، ولم يجمع (الْأَرْضِ) لأن طبقاتها ليست متصفة بجميع ذلك فإنها سواء كانت متفاصلة بذواتها ، كما ورد في الأحاديث ـ من أن بين كل أرضين كما بين كل سماءين ـ أو لا تكون متفاصلة ـ كما هو رأي الحكيم ـ غير مختلفة في الحقيقة اتفاقا.
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي تعاقبهما وكون كل منهما خلفا للآخر ، أو (اخْتِلافِ) كل منهما في أنفسهما ازديادا وانتقاصا ، أو ظلمة ونورا ، وقدم (اللَّيْلِ) لسبقه في الخلق أو لشرفه.
(وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) عطف على (خَلْقِ السَّماواتِ) لا على (السَّماواتِ) أو عطف على (اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ) من الألفاظ التي استعملت مفردا وجمعا ، وقدر بينهما تغاير اعتباري ، فإن اعتبر أن ضمته أصلية كضمة ـ قفل ـ فمفرد ، وإن اعتبر أنها عارضة كضمة ـ أسد ـ فجمع ، ومن الأول قوله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [الشعراء : ١١٩] ومن الثاني قوله تعالى : (إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] وقيل : إنه جمع فلك ـ بفتح الفاء وسكون اللام ـ وقيل : إنه اسم جمع ، وزعم بعضهم أنه قرئ «فلك» بضمتين وهو عند بعض مفرد لا غير وقال الكواشي : الفلك ، والفلك ـ بضمتين ـ لغتان الواحد والجمع سواء في اللفظ ، ويعرف ذلك بجمع ضمير فعلهما وإفراده.