وقت الخطاب وليس بممتنع والممتنع تأخيره عن وقت الحاجة إلا عند من (١) يجوز التكليف بالمحال وليس بلازم إذ لا دليل على أن الأمر هنا للفور حتى يتوهم ذلك ومن الناس من أنكروا ذلك وادعوا أن المراد بها بقرة من نوع البقر بلا تعيين وكان يحصل الامتثال لو ذبحوا أي بقرة كانت إلا أنها انقلبت مخصوصة بسؤالهم ـ وإليه ذهب جماعة من أهل التفسير ـ وتمسكوا بظاهر اللفظ فإنه مطلق فيترك على إطلاقه مع ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما موقوفا لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لأجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله تعالى عليهم ، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه عن عكرمة مرفوعا مرسلا وبأنه لو كانت معينة لما عنفهم على التمادي وزجرهم عن المراجعة إلى السؤال ، واللازم حينئذ النسخ قبل الفعل بناء على مذهب من يقول الزيادة على الكتاب نسخ كجماهير الحنفية القائلين بأن الأمر المطلق يتضمن التخيير وهو حكم شرعي والتقييد يرفعه وهو جائز بل واقع كما في حديث فرض الصلاة ليلة المعراج ، والممتنع النسخ قبل التمكن من الاعتقاد بالاتفاق لأنه بداء وقبل التمكن من الفعل عند المعتزلة وليس بلازم ـ على ما قيل ـ على أنه قيل : يمكن أن يقال : ليس ذلك بنسخ لأن البقرة المطلقة متناولة للبقرة المخصوصة وذبح البقرة المخصوصة ذبح للبقرة مطلقا فهو امتثال للأمر الأولى فلا يكون نسخا واعترض على كون التخيير حكما شرعيا إلخ بالمنع مستندا بأن الأمر المطلق إنما يدل على إيجاب ماهية من حيث هي بلا شرط لكن لما لم تتحقق إلا في ضمن فرد معين جاء التخيير عقلا من غير دلالة النص عليه وإيجاب الشيء لا يقتضي إيجاب مقدمته العقلية إذ المراد بالوجوب الوجوب الشرعي ، ومن الجائز أن يعاقب المكلف على ترك ما يشمله مقدمة عقلية ولا يعاقب على ترك المقدمة ، ونسب هذا الاعتراض لمولانا القاضي في منهياته ـ وفيه تأمل ـ وذكر بعض المحققين أن تحقيق هذا المقام أنه إن كان المراد بالبقرة المأمور بذبحها مطلق البقرة أي بقرة كانت فالنسخ جائز لأن شرط النسخ التمكن من الاعتقاد وهو حاصل بلا ريب ، وإن كان البقرة المعينة فلا يجوز النسخ لعدم التمكن من الاعتقاد حينئذ لأنه إنما حصل بعد الاستفسار فاختلاف العلماء في جواز النسخ وعدمه في هذا المقام من باب النزاع اللفظي فتدبر (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) أي من ذبح البقرة ولا تكرروا السؤال ولا تتعنتوا ، وهذه الجملة يحتمل أن تكون من قول الله تعالى لهم ، ويحتمل أن تكون من قول موسى عليهالسلام حرضهم على امتثال ما أمروا به شفقة منه عليهم ، و (ما) موصولة والعائد محذوف أي ما تؤمرونه بمعنى ما تؤمرون به ، وقد شاع حذف الجار في هذا الفعل حتى لحق بالمتعدي إلى مفعولين فالمحذوف من أول الأمر هو المنصوب ، وأجاز بعضهم أن تكون (ما) مصدرية أي ـ فافعلوا أمركم ـ ويكون المصدر بمعنى المفعول كما في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٦] على أحد الوجهين ، وفيه بعد لأن ذلك في الحاصل بالسبك قليل وإنما كثر في صيغة المصدر.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) إسناد البيان في كل مرة إلى الله عزوجل لإظهار كمال المساعدة في إجابة مسئولهم وصيغة الاستقبال لاستحضار الصورة ـ والفقوع ـ أشد ما يكون من الصفرة وأبلغه والوصف به للتأكيد ـ كأمس الدابر ـ وكذا في قولهم أبيض ناصع ، وأسود حالك ، وأحمر قان ، وأخضر ناضر ، و (لَوْنُها) مرفوع ب (فاقِعٌ) ولم يكتف بقوله صفراء فاقعة لأنه أراد تأكيد نسبة الصفرة فحكم عليها أنها صفراء ثم حكم على اللون أنه شديد الصفرة فابتدأ أولا بوصف البقرة بالصفرة ثم أكد ذلك بوصف اللون بها فكأنه قال : هي صفراء ولونها شديد الصفرة ، وعن الحسن سوداء شديدة السواد ولا يخفى أنه خلاف الظاهر
__________________
(١) وإليه ذهب أكثر الحنفية وبعض الشافعية ا ه منه.