رغبة خالصة في البحث ذاته ، لكن شخصية المهدى إليه كانت حافزا على إتمام البحث ، وإشباع الرغبة وتحقيقها في استكمال مادة الكتاب وتبويبها. وهكذا نقل الثعالبي تجربته في تأليف هذا الكتاب منذ أن كان مجرد رغبة ، إلى أن تحقق في فترات كتابة متفرقة حتى إتمامه وإهدائه إلى الأمير نصر بن ناصر الدين أخي أبي القاسم محمود بن سبكتكين الغزنوي :
(هذا كتاب طالما كانت تحضرني النية القوية في تصنيفه وترصيفه ، وتعدني الأيام معونة على تبويبه وترتيبه ، فتخلف ، وكنت آخذ في تأليفه يوما ، وأدعه أياما ، وأقبل عليه شهرا وأعرض عنه عاما إلى أن لاح استفتاح مدخله واستتمام عمله لأوحد الزمان ، وحسنة القرآن ، ومن فضله الله تعالى ذكره بشرف الانتساب والاكتساب ، وجمع له محاسن ذوي الألباب وآتاه الحكمة وفصل الخطاب ، وأحيا به جميع العلوم والآداب الأمير الأجل صاحب الجيش أبي المظفر) (١).
إن دراسة كتاب الاقتباس تدلنا على توافر ظاهرتين مهمتين فيه :
الأولى : المنهج الذي التزم به الثعالبي في جميع أبواب الكتاب وفصوله.
الثانية : ذوقه الرفيع في اختيار النصوص الأدبية شعرا ونثرا.
لقد كان الثعالبي أديبا شاعرا ومؤلفا ناقدا واسع الاطلاع ذا ذوق رفيع في اختيار النصوص الشعرية ، وآراء سديدة في نقد الأدب بصورة عامة (٢). وقد وجد أن القرآن الكريم معجزة الرسول صلىاللهعليهوسلم العظيمة كان ـ وما يزال ـ المعين الثر الذي يقتبس منه الشعراء والأدباء ألفاظهم وصورهم ومعانيهم متمثلين بآياته الكريمة في مخاطباتهم وأشعارهم ، عارفين أن هذا الاقتباس يكسي كلامهم (معرضا ما لحسنه غاية ، ومأخذا ما لرونقه نهاية ، ويكسبه حلاوة وطلاوة ما فيها إلا معسولة الجملة والتفصيل ، ويستفيد جلالة وفخامة ليست فيهما إلا مقبولة الغرة والتحجيل) (٣).
__________________
(١) الاقتباس ١ / ٢١.
(٢) راجع كتاب (الثعالبي ناقدا واديبا).
(٣) الاقتباس ١ / ٢٤.