إليه من أبواب الفتيا كما قال الله تعالى : (وَما كانَ [الْمُؤْمِنُونَ] لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ [مِنْهُمْ طائِفَةٌ] لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (١) (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (٢). فكان الغرض من تفريعهم ما فرعوه عن الأصول المحددة في كتاب الله ، والسنن المأثورة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن يجعلوا تلك المسائل المفرعة عدة للحوادث الواقعة. وكان مثلهم في تقديم العناية التي قدموها بذلك من الأطباء المشفقين على أنفس الناس وأجسادهم باستنباطهم لهم من فنون العلاجات والأدوية (٣) ؛ لتكون معدة لمقابلة العلل المخوفة إذا عرضت لها. فحدث بعدهم من طلاب الفقه من جعل غرضه فيما يطلبه منها نيل الرياسة في العامة ، والحظوة (٤) عند الملوك والرؤساء (٥) والتسلط على أموال اليتامى والضعفاء مع استعمال الحيل في إبطال حقوقهم والقول بها. فانقلبت الصناعة على جلالة قدرها ، وعلو خطرها من مرتبة الحمد إلى مرتبة الذم باختلاف الغرضين.
فصل
في ذكر الكلام والمتكلمين
قال أبو زيد :
صناعة الكلام في غاية الجلال والشرف ، ومن الصناعات المحتاج إليها في قوام الدنيا إذ كانت صناعة البحث والنظر ، ولا غنى بالناس عن استعمالها في تمييز الحق من الباطل ، والخطأ من الصواب في جميع ما يعتقدونه. وهي موضوعة بإزاء أصول الدين كما أن صناعة الفقه موضوعة بإزاء فروعه. فكما لا يستغنى عن التفقه في فروع الدين بصناعة الفقه ، كذلك
__________________
(١) في الأصل : (إلى).
(٢) التوبة : ١٢٢ (وما بين القوسين ساقط من أصل المخطوط).
(٣) في الأصل : (الأودية).
(٤) في الأصل : (الخطوة).
(٥) في الأصل : (الدوسا).