(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)(٣٦)
(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) ثمر ما ذكر وهو الجنات ، وقيل الضمير لله تعالى على طريقة الالتفات والإضافة إليه لأن الثمر بخلقه ، وقرأ حمزة والكسائي بضمتين وهو لغة فيه ، أو جمع ثمار وقرئ بضمة وسكون. (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) عطف على الثمر والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما ، وقيل (ما) نافية والمراد أن الثمر بخلق الله لا بفعلهم ، ويؤيد الأول قراءة الكوفيين غير حفص بلا هاء فإن حذفه من الصلة أحسن من غيرها. (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أمر بالشكر من حيث إنه إنكار لتركه.
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) الأنواع والأصناف. (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من النبات والشجر. (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) الذكر والأنثى. (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) وأزواجا مما لم يطلعهم الله تعالى عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته.
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(٣٨)
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من سلخ الجلد والكلام في إعرابه ما سبق. (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) داخلون في الظلام.
(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) لحد معين ينتهي إليه دورها ، فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره ، أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال :
والشّمس حيرى لها بالجوّ تدويم
أو لاستقرار لها على نهج مخصوص ، أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلاثمائة وستين مشرقا ومغربا ، تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل ، أو لمنقطع جريها عند خراب العالم. وقرئ «لا مستقر لها» أي لا سكون فإنها متحركة دائما و «لا مستقر» على أن «لا» بمعنى ليس. (ذلِكَ) الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم الّتي تكل الفطن عن إحصائها. (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الغالب بقدرته على كل مقدور. (الْعَلِيمِ) المحيط علمه بكل معلوم.
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٤٠)
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) قدرنا مسيره. (مَنازِلَ) أو سيره في منازل وهي ثمانية وعشرون : الشرطان ، البطين ، الثريا ، الدبران ، الهقعة ، الهنعة ، الذراع ، النثرة ، الطرف ، الجبهة ، الزبرة ، الصرفة ، العواء ، السماك ، الغفر ، الزبانا ، الإكليل ، القلب ، الشولة ، النعائم ، البلدة ، سعد الذابح ، سعد بلع ، سعد السعود ، سعد الأخبية ، فرغ الدلو المقدم ، فرغ الدلو المؤخر ، الرشا ، وهو بطن الحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه ، فإذا كان في آخر منازله وهو الّذي يكون فيه قبيل الاجتماع دق واستقوس ، وقرأ الكوفيون وابن عامر (وَالْقَمَرَ) بنصب الراء. (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ) كالشمراخ المعوج ، فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج ، وقرئ «كالعرجون» وهما لغتان كالبزيون والبزيون. (الْقَدِيمِ) العتيق وقيل ما مر عليه حول فصاعدا.
(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها) يصح لها ويتسهل. (أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) في سرعة سيره فإن ذلك يخل بتكون