(يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بدل من (يَلْقَ) لأنه في معناه كقوله :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا |
وقرأ أبو بكر بالرفع على الاستئناف أو الحال وكذلك : (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) وابن كثير ويعقوب يضعف بالجزم وابن عامر بالرفع فيهما مع التشديد وحذف الألف في «يضعف» ، وقرئ «ويخلد» على بناء المفعول مخففا ، وقرئ مثقلا وتضعيف العذاب مضاعفته لانضمام المعصية إلى الكفر ويدل عليه قوله :
(إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً(٧٠) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً)(٧١)
(إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانها لواحق طاعتهم ، أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة. وقيل بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه ، أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثوابا. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فلذلك يعفو عن السيئات ويثيب على الحسنات.
(وَمَنْ تابَ) عن المعاصي بتركها والندم عليها. (وَعَمِلَ صالِحاً) يتلافى به ما فرط ، أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة. (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ) يرجع إلى الله بذلك. (مَتاباً) مرضيا عند الله ماحيا للعقاب محصلا للثواب ، أو يتوب متابا إلى الله الّذي يحب التائبين ويصطنع بهم ؛ أو فإنه يرجع إلى الله وإلى ثوابه مرجعا حسنا وهو تعميم بعد تخصيص.
(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً)(٧٣)
(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) لا يقيمون الشهادة الباطلة ، أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه. (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) ما يجب أن يلقى ويطرح. (مَرُّوا كِراماً) معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ، ومن ذلك الإغضاء عن الفواحش والصفح عن الذنوب والكناية فيما يستهجن التصريح به.
(وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بالوعظ أو القراءة. (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) لم يقيموا عليها غير واعين لها ولا متبصرين بما فيها كمن لا يسمع ولا يبصر ، بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية ، فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل كقولك : لا يلقاني زيد مسلما. وقيل الهاء للمعاصي المدلول عليها (بِاللَّغْوِ).
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (٧٤)
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل ، فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه وقرت بهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة ، و (مِنْ) ابتدائية أو بيانية كقولك : رأيت منك أسدا ، وقرأ حمزة وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر «وذريتنا» وقرأ ابن عامر والحرميان وحفص ويعقوب (وَذُرِّيَّاتِنا) بالألف ، وتنكير ال (أَعْيُنٍ) لإرادة تنكير ال (قُرَّةَ) تعظيما وتقليلها لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم. (وَاجْعَلْنا