ومعنى تاسع وهو : أن الحروف التي بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفا ، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة ، وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة وهو أربعة عشر حرفا ، ليدل بالمذكور على غيره ، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم ، والذي تنقسم إليه هذه الحروف على ما قسمة أهل العربية ، وبنوا عليها وجوهها.
ومعنى عاشر وهو : أنه سهل سبيله ، فهو خارج عن الوحشي المستكره ، والغريب المستنكر ، وعن الصنعة المتكلفة ، وجعله قريبا إلى الإفهام ، يبادر معناه لفظه إلى القلب ، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس ، وهو مع ذلك ممتنع المطلب ، عسير المتناول ، غير مطمع مع قربه في نفسه ، ولا موهم مع دنوه في موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به ، فأما الانحطاط عن هذه الرتبة إلى رتبة الكلام المبتذل والقول المسفسف ، فليس يصح أن تقع فيه فصاحة أو بلاغة ، فيطلب فيه الممتنع ، أو يوضع فيه الإعجاز ولكن لو وضع في وحشي مستكره ، أو غمر بوجوه الصنعة ، وأطبق بأبواب التعسف والتكلف لكان لقائل أن يقول فيه ، ويعتذر أو يعيب ويقرع ولكنه أوضح مناره ، وقرب منهاجه ، وسهل سبيله وجعله في ذلك متشابها متماثلا ...) (١).
نلحظ في تقسيم الإمام الباقلاني أنه جمع وألمّ بما قيل في وجوه الإعجاز حتى زمانه ، وتناول أفكارا ذكرت قبله بالنقد والرد ، ولعلّ الجديد الذي جاء به الباقلاني هو التفريع والتفصيل الذي ذكره هنا ، كذلك المناقشة الموضوعية الدقيقة لآراء عرضها ثم بيّن بطلانها ، ويتضح هذا لو تأمّلنا في الموازنة التي أقامها بين الشعر والسجع والقرآن ، ثم نفى الشعر والسجع عن القرآن ، وكذلك المقارنة بين ما ينسبه العرب إلى الجن من أقوال وبين القرآن ...
ثم إننا نأخذ عليه أنه أسهب وبكثرة في الحديث عن الجانب البياني وفروعه وشعبه ، في حين أنه أغفل عددا من وجوه القرآن لم يذكر منها إلا الغيبي ، والحق أن كتابه «إعجاز القرآن» يعتبر أول كتاب مستقلّ تحدث عن إعجاز القرآن ، وهو من خيرة الكتب ، بل من أهم الكتب التي يرجع إليها الدارسون لقضية الإعجاز حتى عصرنا هذا.
__________________
(١) انظر : إعجاز القرآن ، للباقلاني ، ص : ٦٢.