المبحث الأول
الصّرفة والقائلون بها
سبقت الإشارة إلى أن نشأة مصطلح «إعجاز القرآن» تساورت مع القول بالصرفة ، بل إن القول بالصرفة كان هو الباعث الأول للحديث عن وجوه إعجاز القرآن الكريم ، وقبل أن نتحدث عمّن صدر هذا القول ، ومن الذي تبناه ودعا إليه ، أود أن أبدأ بتعريف كلمة «الصرفة» في اللغة والاصطلاح ، خلافا لمعظم الباحثين الذين يخوضون في الحديث عن الصرفة ومصدرها ، دون الاستهلال بتعريفها.
الصّرفة لغة :
بفتح الصاد وتسكين الراء ، يقول ابن منظور : (الصرف : رد الشيء عن وجهه صرفه يصرفه صرفا فانصرف ، وصارف نفسه عن الشيء ، صرفها عنه ، وقوله تعالى :
(ثُمَّ انْصَرَفُوا) رجعوا عن المكان الذي استمعوا فيه ، وقيل : انصرفوا عن العمل بشيء مما سمعوا.
(صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) أي أضلهم الله مجازاة على فعلهم ، وصرفت الرجل عني فانصرف ، والمنصرف قد يكون مكانا ، وقد يكون مصدرا ، وقوله عزوجل :
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) أي أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي ، وصرف الله عنك الأذى واستصرفت الله المكاره ، وصرف الشيء ، أعمله في غير وجهه كأنه يصرفه عن وجه إلى وجه ، وتصرف هو ، وتصاريف الأمور : تخاليفها ، ومنه تصاريف الرياح والسحاب) (١).
__________________
(١) لسان العرب ، لابن منظور ، ٩ / ١٨٩ ، وانظر : مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر الرازي ، بيروت ، مكتبة لبنان ناشرون ، تحقيق محمود خاطر ، ١٤١٥ ه / ١٩٩٥ ، ١ / ١٥٢ ، والفائق في غريب الحديث ، محمود بن عمر الزمخشري ، بيروت ، دار المعرفة ، تحقيق : علي البجاوي ، ومحمد إبراهيم ، الطبعة الثانية ، د. ت ، ٢ / ٢٩٤.