سمعت من محمد؟
فقال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت
أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها ، قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به ، قال :
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم : ما رأيك فيما
سمعت من محمد؟ فقال : ما ذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا
فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي
رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه والله لا نؤمن به
أبدا ولا نصدقه ، قال : فقام عنه الأخنس وتركه) .
هذه بعض الروايات
التي تحكي حال أولئك القوم الذين بهروا بجمال القرآن ، وسحروا ببيانه وأقروا
بإعجازه ، وترجموا هذه المشاعر بمقولاتهم التي سجّلها التاريخ لهم ، وأثبتناها
هاهنا ، ولكنه العناد السافر الذي أعمى أبصارهم ، وغلف قلوبهم فأظلمت وصدئت وقست
ثم ماتت ، فكانوا أضل من الأنعام الشاردة ، وأغواهم الشيطان بمكائده وحباله ،
فجحدوا الحق وكفروا به بعد ما عرفوه ، وسيكون عليهم يوم القيامة حسرة وندامة.
٢ ـ اعتراف فصحاء
العرب المؤمنين بإعجاز القرآن
وسنصغي الآن إلى
الذين لامس القرآن الكريم شغاف قلوبهم ، ووقعت كلماته الربانية في نفوسهم ، فملك
عليهم عقولهم ، وسيطر على كيانهم ، فاستجابت له جوارحهم وانسجمت مع إرشاداته
سلوكياتهم ، وسجدت نباهتهم لبلاغته ، وطأطئوا الرءوس إجلالا لإعجازه فهداهم الله
إلى الحق والنور المبين.
أولا ـ عمر بن
الخطاب رضي الله عنه :
قال ابن إسحاق : (وكان
إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن
نفيل ، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر
، وكان نعيم بن عبد الله النحام من مكة رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم ،
وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه ، وكان خباب ابن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت
الخطاب ، يقرئها القرآن ، فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في
__________________