تمهيد
إن المدقق في كتاب الله المجيد ، والمتتبع لآيات الذكر الحكيم ، لن يقف على لفظة المعجزة أبدا وكذلك الأمر ذاته في السنة المطهرة ، وفي أقوال الصحابة الكرام ، غير أن القرآن الكريم استعمل ألفاظا أخرى تدل على مفهوم المعجزة ، وذلك في سياق إثبات نبوة الأنبياء عليهمالسلام ، فمن تلك الألفاظ التي استعملها القرآن الكريم لغرض إثبات صدق الرسل لفظة : البينة ، الآية ، البرهان ، وغيرها من الألفاظ الواردة في ثنايا قصص الأنبياء أو في معرض إقامة الحجة والبرهان في شتى المجالات.
يقول ابن تيمية (١) : (والآيات والبراهين الدالة على نبوة محمد كثيرة متنوعة وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء ، ويسميها من يسميها من النظار معجزات ، وتسمى دلائل النبوة وأعلام النبوة ، وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب والسنة وإنما فيه لفظ الآية والبينة والبرهان) (٢).
(وإنما ظهر مصطلح المعجزة ، في وقت متأخر بعض الشيء ، عند ما دونت العلوم ، ومنها علوم العقائد في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية الثالث) (٣).
__________________
(١) ابن تيمية : الشيخ الإمام الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع ، شيخ الإسلام ، أحمد بن المفتي شهاب الدين عبد الحليم ابن الإمام الحراني ، أحد الأعلام ، ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة ، عني بالحديث ، وخرّج ، وانتقى ، وبرع في الرجال ، وعلل الحديث ، وفقهه ، وفي علوم الإسلام ، وعلم الكلام وغير ذلك ، مات في العشرين من ذي القعدة ، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. طبقات الحفاظ ، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٣ ه ، ١ / ٥٢٠.
(٢) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ، الرياض ، دار العاصمة ، الطبعة الأولى ، ١٤١٤ ه ، تحقيق علي حسن ناصر وآخرون ، ٥ / ٤١٢ ، وانظر :
النبوات ، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ، القاهرة ، المطبعة السلفية ، د. ت ، ١ / ٣.
(٣) مباحث في إعجاز القرآن ، مصطفى مسلم ، ص ، ١٣.