إلا أن الإمام الغزالي يعتبر أول من أثار هذا الموضوع ، وطرحه في الأوساط ، ولذلك نجده قد عقد في كتابه الشهير «إحياء علوم الدين» بابا في آداب تلاوة القرآن وعنونه «في فهم القرآن وتفسيره بالرأي من غير نقل» والذي قال فيه : (الأخبار والآثار تدل على أن في معاني القرآن متسعا لأرباب الفهم ، قال علي رضي الله عنه : إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن ، فإن لم يكن سوى الترجمة المنقولة فما ذلك الفهم؟ وقال : إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا ، ثم يسوق أثرا عن ابن مسعود فيقول : وقال ابن مسعود رضي الله عنه : من أراد علم الأوّلين والآخرين فليتدبر القرآن وذلك لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر ، ثم يقول : وبالجملة ، فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عزوجل وصفاته وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته ، وهذه العلوم لا نهاية لها ، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها والمقامات في التعمق في تفصيله راجع إلى فهم القرآن ، ومجرد ظاهر التفسير لا يشير إلى ذلك ، بل كل ما أشكل فيه على النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ، ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بدركها ، فكيف يفي بذلك ترجمة ظاهره وتفسيره؟) (١).
وفي كتابه «جواهر القرآن» والذي ألفه بعد الإحياء نرى الإمام الغزالي عاد إلى نفس الموضوع ليتوسع فيه ، وقد ذكر في الفصل الأول أن القرآن هو البحر المحيط وينطوي على أصناف الجواهر والنفائس يقول : (أوما بلغك أن القرآن هو البحر المحيط ، ومنه يتشعب علم الأولين والآخرين كما يتشعب عن سواحل البحر المحيط أنهارها وجداولها؟) (٢).
وفي الفصل الرابع من نفس الكتاب والذي عنونه بكيفية انشعاب العلوم الدينية كلها عن الأقسام العشرة المذكورة ، نجده قد قسّم علوم القرآن إلى قسمين :
القسم الأول : علم الصّدف ، واعتبر الصدف أول ما يظهر ، ثم يقف بعض الواصلين إلى الصدف على الصدف ، وبعضهم يفتق الصدف ويطالع الدرّ ، فكذلك صدف جواهر القرآن ... وقد جعل منه علوم اللغة والنحو والقراءات ، وعلم مخارج
__________________
(١) إحياء علوم الدين ، الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن الغزالي الطوسي ، بيروت ، دار الفكر ، ١٩٩٥ ، ١ / ٢٧٢.
(٢) جواهر القرآن ، الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن الغزالي الطوسي ، بيروت ، دار إحياء علوم الدين ، تحقيق ، محمد رشيد رضا القباني ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٦ ه / ١٩٩٦ ، ص : ٢٣.