«ليستأدوهم ميثاق فِطرته ويذكّروهم منسيَّ نعمته ويحتجّوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول ...».
للبعثة أهداف مختلفة :
الاول : مطالبة البشر بأداء ميثاق الفطرة. ومن هذه العبارة يستفاد أن الله أبرم مع فطرة البشر عهداً ، وعلى الانسان أن يؤديه في حياته ، وقد يكون العهد الذي أشارت إليه الآية ١٧٢ من سورة الأعراف هو هذا.
الثاني : تذكيرهم بما نسوه من نِعم الله ، فهو نوع تذكير ، ولو بحث الانسان عن تلك النعم لوجدها في أعماق وجوده ، لكنه نساها ؛ لأنه غرق في الماديات ، ومن خواص عالم المادة أنَّه يُنسي ، فالدنيا تُغفل الانسان وتنسيه.
الثالث : أن يتمّوا عليهم الحجة عن طريق البراهين العقلية ، مضافاً إلى القضايا الفطرية ، وبذلك يبلّغون الانسان تعاليم السماء.
الرابع : أن يكتشفوا الأرضيات والجواهر المستودعة في فطرة الانسان وعقله ويستخرجوها.
الرسول بمثابة المزارع الذي لا يخلق البذر بل يزرعها ويهيئ الأرضية اللازمة لنموّها ، والأنبياء بتذكيرهم بالتعاليم التي تستبطنها فطرة الانسان يسعون في نموّها وازدهارها.
هناك شواهد من الآيات والروايات على هذا الكلام ، منها ما ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآله قوله : «الناس معادن كمعادنِ الذهب والفضة» (١) ، أي أن الجميع يتمتع بوجود ذي قيمة ينبغي استخراجه بإشراف الخبير.
إذن ، النقطة الاولى التي استبطنتها هذه التعابير هي كون اصول الدين وفروعه متجذّرة في فطرتنا ، وما يقوم به الانبياء هو التذكير بها.
النقطة الثانية : هي ما ورد في الآية ٢٦ من سورة الغاشية ، من أن التذكير هو الوظيفة الوحيدة للأنبياء ، ولا سلطة على أكثر من ذلك ، وبعبارة اخرى : الدين غير اجباري ، فهم
__________________
(١) بحار الأنوار ٥٨ : ٦٥ ، الحديث ٥١.