هناك احتمالات كثيرة نضمّن بحثنا هذا اثنين منها فقط :
١ ـ يعتقد بعض المفسّرين أنَّ هذه القرية الآمنة هي مكة ، (١) فهي مصداق بارز للقرية الآمنة ، كما أنَّها في الحقيقة تحضى بنعمة توفّر جميع انواع الثمار فيها ، ورغم أنها تفقد بذاتها بعض النعم ، إلّا أن ذلك البعض يفدها من باقي المناطق والدول ، وهي بذلك تحضى بنعم قلما نجد مكاناً يحضى بها.
عند ما هجر الرسول صلىاللهعليهوآله مكة قاصداً المدينة ، كانت مكة تعاني من الجفاف الذي دام سبع سنوات ، وكانت هذه المحنة نتيجة كفرانهم نعمة تواجد الرسول فيهم ، وقد بلغ بهم الجفاف أنَّ رسول الرحمة صلىاللهعليهوآله أرسل لهم أغذية من المدينة ، كما أنَّ الجفاف هذا اقترن مع فقدان الأمن فيها.
نعم ، إنّ كفران النعمة سيتبعه عذاباً إلهياً وهذه سنة إلهية صادقة في كل مكان وزمان ، وتكرّر في كل مكان تتكرر فيه كفران النعمة.
٢ ـ يعتقد بعض آخر من المفسرين أنّ المراد من هذه القرية هو مدينة سبأ (٢) حسب ما جاء في سورة سبأ ، فإنَّ تلك البلدة كانت عامرة كثيراً ، وكان فيها سدّ يُدعى (مأرب) تبدلت هذه البلدة بفضل هذا السدّ إلى قطعة من الخضار ، وكانت النعم فيها متوفرة بشكل لا يحتاج قاصدها إلى أن يصطحب معه غذاء ومتاع ؛ لأنَّه يكفيه أن يضع سلة على رأسه ويمشي في طرقها ، فإنَّ السلة ستمتلئ بعد فترة وجيزة بثمار الاشجار التي في طرفي الشارع.
إنّ هذه المدينة كانت تتمتع بالأمن والاستقرار والنعم الوافرة ، إلّا أن أهلها اختاروا طريق الكفر لهذه النعم ، فأوحى الله إلى فئران أن دمّري هذه المدينة ، فأثقبت هذه الفئران السد ، وتوسعت هذه الثقوب تدريجياً إلى أن دمّرت السد في ليلة ، وأخذ الماء بسيوله الجارفة المدينة بأجمعها ودمّر ما فيها من قصور ومزارع وبيوت وأشجار وبساتين. وكان التدمير إلى درجة اضطّر بعده للهجرة من سلم من أهالي المدينة ، وما استطاعوا العيش فيها.
__________________
(١) انظر تفسير مجمع البيان ، ٦ : ٣٩٠ ، التبيان ٦ : ٤٣٢.
(٢) انظر تفسير الأمثل ٨ : ٣١١ ـ ٣١٢.